قبل سنوات قليلة من الآن، كنا نتحدث عن العودة بل كنا نستغرب اذا تفوه احدهم بكلمة «اسرائيل» دون ان يشير الى العدو الصهيوني، اما اذا تجرأ احدهم وتحدث عن «السلام» فإن اول رد فعل على كلامه هي ان نطلب منه الصمت فلا سلام مع مغتصب وسارق.
اليوم فقد باتت اغاني السلام، واخبار الاتفاقات الثنائية وصور المودة والالفة والزيارات الرسمية تترافق مع خبر استشهادة طفلة على بلاط القدس، وتتناغم مع هدم المنازل، واقتلاع اشجار الزيتون وبناء المستوطنات، بل تتقدم على اخبار اضراب الكرامة (الامعاء الخاوية التي ينفذها مئات الاسرى في سجون الاحتلال الصهيوني، بل وحتى عن معارك عزة).
بالامس كانت اغاني الثورة الممنوعة؛ مارسيل خليفة، ابو عرب، فرقة العاشقين، واناشيد: طل سلاحي من جراحي، كلاشنكوف خلي رصاصك في العالي، تصدح في كل بيت، وصور الشهداء معلقة على الجدران الداخلية للبيوت المتصقة، فيما كانت الحارات تلتقط اخبار الداخل الفلسطيني وابطال قلعة شقيف والفاكهاني وانتفاضة الحجارة بكل شغف.
أما اليوم فقد امتلأت الحيطان بملصقات «اليسا وناسي عجرم و»ابطال عرب ايدول «عرب غوت تالنت» اما شاشات والفضائيات العربية فقد باتت تنعق بالموسيقى الصاخبة وبالافلام لا تعظم الا البطل الامريكي «القاهر لأعدائه» الذي لا يقتله الرصاص ولا يرمش له جفن عنما يقتل آلافاً بدم بارد.
بالامس كانت احاديث الناس البسطاء وتعليقاتهم لا تخرج عن الجهاد وحق العودة، بل الثأر ممن دنسوا الارض وممن سرقوها، وداسوا على مقدساتها وزوروا التاريخ وقتلوا شردوا مئات الآف من ابنائها.
اليوم فقد انشغل البسطاء بلقمة عيشهم وبأخبار المسؤولين المتخمين، بمصائب اخرى من غير متوقعة من بينها ما تحدث عنه الزميل ابراهيم قبيلات حول معارك «الفطبول»، حيث استعرّت معركة «دق الخشوم» بين المشجعين، مدفوعين بجهويات وعنتريات لا تنفك تضرب نسيجنا الاجتماعي، وتسجل هدفا سياساً في مرمى وحدتنا الوطنية.
اليوم ايضا وبعد سبعة عقود على إعلان ما يسمى بـ»دولة إسرائيل»، مرت المنطقة العربية بسلسلة من المتغيرات التي خلصت حتى الآن إلى حقيقة أن هذا الكيان المسمى «إسرائيل» بات يتمتع ببيئة استراتيجية تراجع فيها تهديد الجيوش النظامية بفعل اتفاقات التسوية لبعض الدول، وبفعل الحروب التي استنزفت الدولة اخرى ومازالت قائمة.
للتذكير فقط فلسطين هي الارض التي بارك الله فيها، وهي أرض الإسراء والمعراج، أرض الأنبياء والشهداء والصالحين، مهد عيسى ومهجر إبراهيم، الأرض المضمخة بعبق الرسالة والشهادة، أرض التين والزيتون، أرض الأقصى والمهد والقيامة، أرض المحشر والمنشر، الأرض التي سينزل فيها المسيح ويقتل فيها الدجال، بوابة السماء وموئل الأنبياء، ومثوى الشهداء الصالحين.