محمد محسين..
بعكس المدن العربية لم تستطع مقاهي عمان الشعبية اختزال ذاكرة الطبقة الوسطى على الرغم انتشارها على نواصي الشوارع والأزقة وحتى الطرق السريعة.
وفي مدينة سريعة الإيقاع باتت لغة التفاهم تعتمد على الإشارات فيما غابت حميمة المقاهي الشعبية عن التواصل،، لتحل مكانها إشارات وإيماءات والقليل من الحوار وقهوة سريعة "خالية من حل حب الهال" .
وتتميز المقاهي السريعة عن المقاهي الشعبية الأخرى حيث تختلف نظرة الأفراد إليها باختلاف شخصياتهم ومطالبهم فقد كانت المقاهي مكانا للألفة والدفء ولراحة وعنوان معروفا في مدينة كبيرة لا يتقنون التعامل مع شوارعها فباتت مقاهي الرصيف غريبة وقاسية وتعبيرا مجازيا عن ضيق الوقت والفقر وقلة الحيلة .
وتتسم مقاهي عمان كباقي المقاهي في المدن العربية الأخرى بالطابع ألذكوري حيث يقتصر زبائنها ومرتاديها على الرجال فقط كما انه من الغريب والمستهجن ان تجلس امرأة ما في واحدة من هذه المقاهي إلا أن مقاهي التي حلت مكانها لا تمنع الفتيات من تناول كاس من البلاستيك، او الورق مليْ بالقهوة الساخنة على عجل.
وتستقبل عشرات ومئات المقاهي الصغيرة الزبائن من كل صنف سائقي سيارات أجرة بائعين متجولين طلبة عمال موظفين ممن لم يتمكنوا من احتساء قهوة الصباح فيومئ احدهم بإشارة عن بعد لصاحب احد(مقاهي الرصيف) ليعرف المطلوب سريعا فيعد الطلب بأقل من دقيقة.
وانتشرت المقاهي بسرعة كبيرة في عمان وأدخلت إشارات جديدة ومصطلحات حديثة إلى إيقاع الشارع الأردني وكلما ازداد سرعة الإيقاع زاد عدد زبائن.
ينطبق على هذه المقاهي المثل الشعبي "شريك الماء لا يخسر" حيث تطغى على أجواءها السرعة على حساب نكهة المشروبات التي تقدمها مثل قهوة دون هيل وربما خالية من القهوة ذاتها ورائحتها تشبه أي شيء إلا رائحة القهوة الا ان الاندفاع نحو احتسائها في تزايد مستمر.
ويصعب تفسير أسماء المقاهي السريعة التي اكتسحت معظم مناطق المملكة فمن مقهى "الكيف" إلى "الرواد" الى "السريع" .. الا ان اغلب هذه المقاهي حملت أسماء مالكيها وأكثرها شهرة (مقهى ابو العبد) الذي انتشرت فروعه العشرين داخل عمان وخارجها.
وتبقى صورة تلك المقاهي مختلفة من شخص لآخر حيث تقوم صلته بها، على ظرف الزمان والمكان ومدى حاجته أليها ولكنها في النهاية محطة سريعة للالتقاط الأنفاس في زمن انقطاع التواصل.