المشهد الاخباري - بقلم : الدكتور المهندس أحمد الحسبان
ما أسوأ أن يوضع المرء بين خيارين أحلاهما مرّ، وأن يغسل دماغه بنظرية أقل الخسائر، ثمانون جلدة أفضل من مئة، وصفعتان على الوجه أفضل من ثلاثة، فاتورة الكهرباء ذات الثلاثين دينار المدعومة أفضل من ذات الخمسين غير المدعومة، وهي بالأصل لم تكن تتجاوز العشرين، هذه هي سياسة جحا الحكيم؛ لاقناع صاحب البيت الضيق بأن بيته واسعاً اذا أخرج الديك والماعز والحمار المضافين لقاطنيه افتراضا حتميا لوضع أسوأ.
عندما يكون الطمع سيد المواقف كلها، تطبق نظريات قبول الواقع، بل ويفرض واقعا أسوأ ليظهر السيء أجمل وأرحم وأكثر قبولاً، فالتدرج السلبي نحو الهاوية مخيف، ويجعل من أكتاف الوادي ملاذات أمن نفسي قبل السقوط السحيق الآتي لا محالة، وهذا نوع من التلاعب بسيكلوجيا الجماهير، في غياب الوعي الفردي والجماعي معاً، ولكنه على درجات، تبدأ بقمع التفكير وتنتهي بقمع التدبير.
لم تعد نداءات المقاطعه تفيد، فاطفاء الكهرباء ساعة كل جمعه، او ايقاف التحرك بالسيارات كل سبت، لن تجدي نفعا الان، ارباح الطماعين وصلتهم مسبقاً برفع اسعار الطاقة بجميع اشكالها حتى لو نامت الشعوب في الكهوف، فات سبت اليهود، وتقدمت العقول الذكية بحركات استباقية على رقعة الشطرنج، جعلت من ردات الفعل حركات قديمة لا تقدم ولا تؤخر، ولا مناص من اتباع سياسة الدفاع المستكن بدلاً من هجوم الند للند، ونجحت افكار الردع الاستباقي لأي فكر قد يتقد.
التفكير الاسلم الآن هو فعلا ترشيد الاستهلاك فقط، وليس المقاطعات ولا المظاهرات، فمثلاً؛ مصباح واحد لغرفة يكفي ويغني عن اربعة سبوتات بالسقف، اضاءة خارجية لكامل السور لا داعي لها، يكفي اضاءة المدخل فقط ولغاية الساعة العاشرة ليلا حيث انتهاء الزيارات المحتملة، ماء الكولر البارد لن يستخدم خلال الليل والناس نيام، واللحوم المجمدة في المبردات لا داع لها لاسبوع او لاسبوعين قادمين، فهذا تحميل للمبردات بما لا قد تحتاجه، وكل السلع متوفرة ولسنا في حرب ولا طوارئ، طارد قارس في هذا الجو المعتدل اوفر استهلاكا للكهرباء من تشغيل مروحة سقف او جنب، غرفة مضاءة لا احد فيها اسراف وتبذير، سخان شمسي عادي يكفي لتسخين المياه نهارا، فلننظر لحياة اهل الغرب في افلامهم ومسلسلاتهم، يكتفون بالقليل من الاضاءة بما يكفي تحركهم او دراستهم في البيت. ولتكن ثقافة التوفير والتدبير لدينا بديلا عن ثقافة المقاطعات او المظاهرات والمناكفات.
خلاصة القول؛ السيء هو من صنع انفسنا، والاسوأ هو من صنع الطماعين والمحتكرين والمتنفذين، ليس مهما اننا - بما تعودنا عليه من نمط استهلاكي غير مرشد - قد نكون نحن سبب ارباحهم وطمعهم من حيث لا ندري، ولكن الأهم هو الوصول لثقافة ترشيد الطاقة لوقف نزف الجيوب وهدر المصادر، وبعد ذلك لا يهمنا من سيخسر او من سيربح، ونطلب من الله البركة فيما رزقنا - اذا حافظنا عليه، (لا يضركم من ضل اذا اهتديتم).
د. أحمد الحسبان.
ما أسوأ أن يوضع المرء بين خيارين أحلاهما مرّ، وأن يغسل دماغه بنظرية أقل الخسائر، ثمانون جلدة أفضل من مئة، وصفعتان على الوجه أفضل من ثلاثة، فاتورة الكهرباء ذات الثلاثين دينار المدعومة أفضل من ذات الخمسين غير المدعومة، وهي بالأصل لم تكن تتجاوز العشرين، هذه هي سياسة جحا الحكيم؛ لاقناع صاحب البيت الضيق بأن بيته واسعاً اذا أخرج الديك والماعز والحمار المضافين لقاطنيه افتراضا حتميا لوضع أسوأ.
عندما يكون الطمع سيد المواقف كلها، تطبق نظريات قبول الواقع، بل ويفرض واقعا أسوأ ليظهر السيء أجمل وأرحم وأكثر قبولاً، فالتدرج السلبي نحو الهاوية مخيف، ويجعل من أكتاف الوادي ملاذات أمن نفسي قبل السقوط السحيق الآتي لا محالة، وهذا نوع من التلاعب بسيكلوجيا الجماهير، في غياب الوعي الفردي والجماعي معاً، ولكنه على درجات، تبدأ بقمع التفكير وتنتهي بقمع التدبير.
لم تعد نداءات المقاطعه تفيد، فاطفاء الكهرباء ساعة كل جمعه، او ايقاف التحرك بالسيارات كل سبت، لن تجدي نفعا الان، ارباح الطماعين وصلتهم مسبقاً برفع اسعار الطاقة بجميع اشكالها حتى لو نامت الشعوب في الكهوف، فات سبت اليهود، وتقدمت العقول الذكية بحركات استباقية على رقعة الشطرنج، جعلت من ردات الفعل حركات قديمة لا تقدم ولا تؤخر، ولا مناص من اتباع سياسة الدفاع المستكن بدلاً من هجوم الند للند، ونجحت افكار الردع الاستباقي لأي فكر قد يتقد.
التفكير الاسلم الآن هو فعلا ترشيد الاستهلاك فقط، وليس المقاطعات ولا المظاهرات، فمثلاً؛ مصباح واحد لغرفة يكفي ويغني عن اربعة سبوتات بالسقف، اضاءة خارجية لكامل السور لا داعي لها، يكفي اضاءة المدخل فقط ولغاية الساعة العاشرة ليلا حيث انتهاء الزيارات المحتملة، ماء الكولر البارد لن يستخدم خلال الليل والناس نيام، واللحوم المجمدة في المبردات لا داع لها لاسبوع او لاسبوعين قادمين، فهذا تحميل للمبردات بما لا قد تحتاجه، وكل السلع متوفرة ولسنا في حرب ولا طوارئ، طارد قارس في هذا الجو المعتدل اوفر استهلاكا للكهرباء من تشغيل مروحة سقف او جنب، غرفة مضاءة لا احد فيها اسراف وتبذير، سخان شمسي عادي يكفي لتسخين المياه نهارا، فلننظر لحياة اهل الغرب في افلامهم ومسلسلاتهم، يكتفون بالقليل من الاضاءة بما يكفي تحركهم او دراستهم في البيت. ولتكن ثقافة التوفير والتدبير لدينا بديلا عن ثقافة المقاطعات او المظاهرات والمناكفات.
خلاصة القول؛ السيء هو من صنع انفسنا، والاسوأ هو من صنع الطماعين والمحتكرين والمتنفذين، ليس مهما اننا - بما تعودنا عليه من نمط استهلاكي غير مرشد - قد نكون نحن سبب ارباحهم وطمعهم من حيث لا ندري، ولكن الأهم هو الوصول لثقافة ترشيد الطاقة لوقف نزف الجيوب وهدر المصادر، وبعد ذلك لا يهمنا من سيخسر او من سيربح، ونطلب من الله البركة فيما رزقنا - اذا حافظنا عليه، (لا يضركم من ضل اذا اهتديتم).
د. أحمد الحسبان.