محمد محيسن
تقول الحكاية التي لا زال
دمها لم يجف بعد ،أن ممرضا في مستشفى النجاح الوطني الجامعي في مدينة نابلس، انهمك
مع زملائه في علاج الجرحى، حيث كان يبذل جهده لإنعاش إحدى الإصابات التي وصلت إلى قسم
الطوارئ، وهي واحدة من خمس إصابات وصلت جميعها في مركبة واحدة.
لم يستطع إنقاذ الإصابة
التي كان منشغلا بها، ليُعلن عن استشهادها ولينتقل إلى إحدى الإصابات التي وُصفت بالخطيرة
جدا، ليتفاجأ أن المصاب والده ، كل محاولات
الابن الممرض فشلت في إنقاذ حياة والده، فاستُشهد بين يديه.
المشهد ذاته تكرر قبل أشهر لطبيب فلسطيني خلال عمله كان يسعف الجرحى في أحد
مستشفيات غزة إذ ويتفاجأ في غرفة الجراحة بجثه
شقيقه، والذي أصيب أثناء مشاركته في مسيرات العودة على الشريط الحدودي لقطاع غزة.
إذا أردنا استعراض تلك المشاهد
الموجعة ، فان الأمر لن يتوقف عند نابلس التي سقط فيها اليوم عشرة شهدا بينهم اطفال
ونساء أو غزة .
ففي القدس قبل ذلك جنين، وفي فلسطين في كل الأوقات،
من يداوي الشهيد شهيد، من يحمل الشهيد شهيد، من ينقل الشهيد شهيد، من يكتب عن الشهيد
شهيد، ومن يرافقه إلى المقبرة شهيد ومن ينتظر في بيت العزاء شهيد.
هؤلاء الشهداء الذين دفعوا حياتهم لأجلنا ولأجل هذه الأمة لا بد أنهم كانوا يدركون بأنهم
لن ينعموا بنتائج أفعالهم وإنهم يتبرعون بما تبقى لهم من أعمال من اجلنا لهذا كانوا
الموتى الأحياء مثلما نحن الآن الإحياء الموتى، فأية مفارقة تستطيع وصف هذه الحالة؟
هؤلاء هم من دفعوا حياتهم
ثمنا للاستقلال لم ينعموا به، كانوا يدركون شأن كل الشهداء والفارين انهم يفعلون ذلك
من اجل أحفاد أحفادهم.. ففلسطين وحدها ستبقى تتحدى
وتقاتل .. وتحترم الشهداء بما يليق بهم .
هؤلاء الشهداء
هم من وصفهم رفيق لهم قبل أن يرتقي إلى ربه شهيدا بأنهم "كأمجاد القمر حين يبتسم
للسماء، ونفير الحياة يمضي كالنسيم، وأمراء الدمِ يقطنون في واحات الزهور الحمراء،
يمضون كأحلام الدجى حين النصر، شهداء وقوافلهم قمح الأرض وقناديل القلوبِ وعبير القدس
والتاريخ.. يا نصراً أنتم، والمجد يهل حينَ تتكلمون بعطر الدم، والفجر شهادة".