لم تمض بضعة أسابيع على تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، وقد بدأنا نشهد ردود فعل عربية ودولية وداخلية تستحق التوقف عندها. أبدأ بالموقف الأمريكي وزيارة وزير الخارجية الأمريكي بلينكن إلى إسرائيل. فقد أعلن بلينكن في مؤتمر صحافي أن أي ابتعاد عن حل الدولتين سيضر بأمن إسرائيل، كما أعلن معارضة الولايات المتحدة لبناء المستوطنات أو توسيعها، إلا أنه وفي الوقت نفسه كرر الموقف الرسمي الأمريكي عن هدف الولايات المتحدة في المدى القصير، وهو ضمان التهدئة بين الجانبين، ريثما تصبح الظروف أكثر مواءمة لاستئناف المفاوضات المبنية على أساس حل الدولتين. كما تحدثت الصحافة الإسرائيلية عن إعراب بلينكن لنتنياهو أثناء المباحثات الثنائية، عن قلق الولايات المتحدة من الطريق الذي تسلكه الحكومة الاسرائيلية الجديدة.
من الواضح أن الموقف الأمريكي متناقض مع نفسه، فالحديث عن الظروف الملائمة لاستئناف المفاوضات، دون أي إجراء فعال يهدف إلى وقف بناء المستوطنات، لن يحقق هذا الهدف، والحديث عن حل الدولتين في هذا السياق يندرج تحت باب إبراء الذمة فقط، بينما يعطي في الواقع إسرائيل كل الوقت المطلوب للاستمرار في سياستها الاستيطانية التوسعية، والقضاء تماما على حل الدولتين، التي تدعي الولايات المتحدة أنها تعمل من أجله.
تحدث نتنياهو في المؤتمر الصحافي ذاته عن القيم المشتركة التي تجمع بين إسرائيل والولايات المتحدة. من غير الواضح لنا في ما إذا كانت المباحثات مع بلينكن قد تطرقت إلى محاولة الحكومة الإسرائيلية إضعاف النظام القضائي الإسرائيلي وسيطرة الكنيست عليه. وهو أمر يفترض أنه لا يتوافق مع واحدة من أهم ركائز النظام الأمريكي، ألا وهي نظام الفصل والتوازن بين السلطات، الذي يضمن ألا تسيطر أي من السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية على بعضها بعضا. ما لا يقال علنا اليوم هو أن أولوية نتنياهو هي ارضاء شركائه المتطرفين العنصريين في الائتلاف الحكومي، حتى يتجنب الذهاب للمحاكمة، وهي أولوية تعلو على كل شيء آخر، بما في ذلك محاباة الموقف الأمريكي الناعم أصلا، ولذلك ستستمر عملية بناء المستوطنات وبوتيرة أسرع، بينما تكتفي الولايات المتحدة بالتحذير الذي لا ترجمة عملية له على الإطلاق إلا إعطاء إسرائيل ما تحتاجه من الوقت. أردنيا كما عربيا، فإن السياسة المتبعة مع الحكومة الإسرائيلية عنوانها التكيف، مفادها أن هناك واقعا إسرائيليا لا يمكن تجاهله أو مقاومته، ولذا فمن الأفضل الاشتباك الإيجابي معه لعل ذلك يخفف من وطأة تأثيره في العملية السلمية، أو وحدة موقفه من مواضيع كالوصاية الأردنية على المقدسات الإسلامية، وقد وصل هذا الموقف المرن من الأردن وعدد من الدول العربية حد إدانة العمليات الفلسطينية ضد إسرائيل، رغم تباين هذه الإدانة مع الموقف الشعبي. ويغفل هذا الموقف أن الأردن وغيره من الدول لا يتعامل مع نظام براغماتي يغير من مواقفه بناء على اعتبارات إقليمية أو دولية. واقع الحال إننا نتعامل مع نظام أيديولوجي يسعى لابتلاع الأرض، وحل الصراع على حساب الأردن، وهو تبعا لذلك لا يقيم وزنا للموقف الأردني المرن، أو للاعتبارات الدولية. هذا نظام يعرف ما يريد ويعمل من أجل تحقيقه تدريجيا.
أما عربيا، فهناك تجاهل غريب من قبل أغلب الدول العربية تجاه ما يحدث داخل المناطق التي تسيطر عليها إسرائيل من تمييز عنصري فاضح. فالاتفاقات الإبراهيمية الموقعة مع إسرائيل لم تساهم، ولو في حدود دنيا في تليين الموقف الإسرائيلي، بل إن الحكومة الإسرائيلية الجديدة هي الأكثر تطرفا وعنصرية في تاريخ الدولة اليهودية، كما أن العالم العربي بأسره لم يشهد حتى الآن أية مواقف جادة معارضة للتمييز العنصري، الذي يمارس كل يوم داخل الأراضي العربية المحتلة وضد فلسطيني الداخل.
لا يستغرب إذن مع هذه المواقف العربية والدولية المرنة، والامتناع عن اتخاذ مواقف أكثر وضوحا في الوقوف ضد الممارسات العنصرية الإسرائيلية وتلك التي تقوض عملية السلام برمتها، أن نشهد اليوم رد فعل فلسطيني داخل الأراضي المحتلة يتسم باستخدام السلاح ضد الإسرائيليين. في اعتقادي أن الانتفاضة الفلسطينية الثالثة بدأت فعلا، وهي عكس الانتفاضتين الأوليين بلا قيادة، وأن الكفاح المسلح هو سمتها الرئيسية. وقد أشارت استطلاعات الرأي الفلسطينية كافة منذ سنوات عديدة إلى أن خيار الكفاح المسلح يتزايد لدى الجيل الفلسطيني الجديد تحت الاحتلال، في غياب أي أفق سياسي لإنهاء الاحتلال. يبدو من الواضح اليوم أن هذا الجيل الجديد فقد ثقته بقيادته الفلسطينية، وبقدرة الدول العربية أو المجتمع الدولي على حل الصراع وإقامة دولته الفلسطينية، وأنه اتخذ قرارا بالاعتماد على نفسه وأخذ زمام الأمور بيده، وتحمل كل العواقب جراء ذلك، التي باتت لا تقاس مقارنة بمعاناته اليومية. لا يحق للمجتمع الدولي الاستغراب مما يجري من عنف، طالما أنه يكتفي بالمواقف اللفظية والمرنة. لقد حان الوقت لكشف الممارسات الإسرائيلية ونيتها الإبقاء على الاحتلال للأبد. كما لا بد أن يكون فحوى الموقف العربي، أننا لسنا ضد السلام، ولكننا ضد العنصرية، وسنقف ضدها بكل وضوح ودون مواربة.
القدس العربي
من الواضح أن الموقف الأمريكي متناقض مع نفسه، فالحديث عن الظروف الملائمة لاستئناف المفاوضات، دون أي إجراء فعال يهدف إلى وقف بناء المستوطنات، لن يحقق هذا الهدف، والحديث عن حل الدولتين في هذا السياق يندرج تحت باب إبراء الذمة فقط، بينما يعطي في الواقع إسرائيل كل الوقت المطلوب للاستمرار في سياستها الاستيطانية التوسعية، والقضاء تماما على حل الدولتين، التي تدعي الولايات المتحدة أنها تعمل من أجله.
تحدث نتنياهو في المؤتمر الصحافي ذاته عن القيم المشتركة التي تجمع بين إسرائيل والولايات المتحدة. من غير الواضح لنا في ما إذا كانت المباحثات مع بلينكن قد تطرقت إلى محاولة الحكومة الإسرائيلية إضعاف النظام القضائي الإسرائيلي وسيطرة الكنيست عليه. وهو أمر يفترض أنه لا يتوافق مع واحدة من أهم ركائز النظام الأمريكي، ألا وهي نظام الفصل والتوازن بين السلطات، الذي يضمن ألا تسيطر أي من السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية على بعضها بعضا. ما لا يقال علنا اليوم هو أن أولوية نتنياهو هي ارضاء شركائه المتطرفين العنصريين في الائتلاف الحكومي، حتى يتجنب الذهاب للمحاكمة، وهي أولوية تعلو على كل شيء آخر، بما في ذلك محاباة الموقف الأمريكي الناعم أصلا، ولذلك ستستمر عملية بناء المستوطنات وبوتيرة أسرع، بينما تكتفي الولايات المتحدة بالتحذير الذي لا ترجمة عملية له على الإطلاق إلا إعطاء إسرائيل ما تحتاجه من الوقت. أردنيا كما عربيا، فإن السياسة المتبعة مع الحكومة الإسرائيلية عنوانها التكيف، مفادها أن هناك واقعا إسرائيليا لا يمكن تجاهله أو مقاومته، ولذا فمن الأفضل الاشتباك الإيجابي معه لعل ذلك يخفف من وطأة تأثيره في العملية السلمية، أو وحدة موقفه من مواضيع كالوصاية الأردنية على المقدسات الإسلامية، وقد وصل هذا الموقف المرن من الأردن وعدد من الدول العربية حد إدانة العمليات الفلسطينية ضد إسرائيل، رغم تباين هذه الإدانة مع الموقف الشعبي. ويغفل هذا الموقف أن الأردن وغيره من الدول لا يتعامل مع نظام براغماتي يغير من مواقفه بناء على اعتبارات إقليمية أو دولية. واقع الحال إننا نتعامل مع نظام أيديولوجي يسعى لابتلاع الأرض، وحل الصراع على حساب الأردن، وهو تبعا لذلك لا يقيم وزنا للموقف الأردني المرن، أو للاعتبارات الدولية. هذا نظام يعرف ما يريد ويعمل من أجل تحقيقه تدريجيا.
أما عربيا، فهناك تجاهل غريب من قبل أغلب الدول العربية تجاه ما يحدث داخل المناطق التي تسيطر عليها إسرائيل من تمييز عنصري فاضح. فالاتفاقات الإبراهيمية الموقعة مع إسرائيل لم تساهم، ولو في حدود دنيا في تليين الموقف الإسرائيلي، بل إن الحكومة الإسرائيلية الجديدة هي الأكثر تطرفا وعنصرية في تاريخ الدولة اليهودية، كما أن العالم العربي بأسره لم يشهد حتى الآن أية مواقف جادة معارضة للتمييز العنصري، الذي يمارس كل يوم داخل الأراضي العربية المحتلة وضد فلسطيني الداخل.
لا يستغرب إذن مع هذه المواقف العربية والدولية المرنة، والامتناع عن اتخاذ مواقف أكثر وضوحا في الوقوف ضد الممارسات العنصرية الإسرائيلية وتلك التي تقوض عملية السلام برمتها، أن نشهد اليوم رد فعل فلسطيني داخل الأراضي المحتلة يتسم باستخدام السلاح ضد الإسرائيليين. في اعتقادي أن الانتفاضة الفلسطينية الثالثة بدأت فعلا، وهي عكس الانتفاضتين الأوليين بلا قيادة، وأن الكفاح المسلح هو سمتها الرئيسية. وقد أشارت استطلاعات الرأي الفلسطينية كافة منذ سنوات عديدة إلى أن خيار الكفاح المسلح يتزايد لدى الجيل الفلسطيني الجديد تحت الاحتلال، في غياب أي أفق سياسي لإنهاء الاحتلال. يبدو من الواضح اليوم أن هذا الجيل الجديد فقد ثقته بقيادته الفلسطينية، وبقدرة الدول العربية أو المجتمع الدولي على حل الصراع وإقامة دولته الفلسطينية، وأنه اتخذ قرارا بالاعتماد على نفسه وأخذ زمام الأمور بيده، وتحمل كل العواقب جراء ذلك، التي باتت لا تقاس مقارنة بمعاناته اليومية. لا يحق للمجتمع الدولي الاستغراب مما يجري من عنف، طالما أنه يكتفي بالمواقف اللفظية والمرنة. لقد حان الوقت لكشف الممارسات الإسرائيلية ونيتها الإبقاء على الاحتلال للأبد. كما لا بد أن يكون فحوى الموقف العربي، أننا لسنا ضد السلام، ولكننا ضد العنصرية، وسنقف ضدها بكل وضوح ودون مواربة.
القدس العربي