بدأ عدد من سكان حي الشامية في معان بالعودة إلى النمط الزراعي ليكون رافدا اقتصاديا في ظل التحولات الاقتصادية السائدة.
وشكلت منطقة بساتين الشامية مساحات زراعية إنتاجية ملائمة، إذ تمت المباشرة باستصلاحها منذ بضع سنوات، لتشكل تجربة فريدة في استثمار المناطق التراثية ودمج البعدين الإنتاجي والسياحي.
ومنذ ما يقارب أربعة قرون نشأت بساتين الشامية على ضفاف وادٍ خصب تكثر فيه الينابيع، وكان بجوارها قلعة صليبية استصلحها السكان وشيدوا على أنقاضها قلعة جديدة ومنازل ومرافق معيشية متنوعة، إذ أضحت القلعة والحارات المحيطة بها إلى جانب الواحة الغناء فضاءً اقتصاديا وثقافيا واجتماعيا يوفر الحماية والاكتفاء الذاتي ويعزز اللحمة الاجتماعية للسكان، وقد هجر السكان منذ نحو أربعة عقود الزراعة في تلك البساتين بسبب الإقبال على الوظائف العامة والهجرة والعوامل المناخية التي أثرت سلبا على البنية الزراعية، حيث كانت البساتين تمتد بطول 3كم على حافتي الوادي الذي ينتهي شرقا قرب بركة رومانية قديمة استخدمت لتزويد الجيوش المحاربة بالمياه.
وقال رئيس جمعية بئر الشامية التعاونية الزراعية محمد النسعة لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، اليوم الجمعة، إن بساتين الشامية تشكل مجالا حيويا لسكان المنطقة وتحمل تراث الآباء والأجداد الذين شيدوا أسوارها وفق الطرق التقليدية، حيث تتوزع البساتين على العائلات، وتتزود من خلال الينابيع والبرك والآبار القديمة التي اعتني بها في الفترات الماضية.
وأشار إلى أن تلك البساتين وما تشكله من واحة صحراوية تؤشر إلى روح التراث القديم وأساليب العيش التي مكنت السكان من الصمود من خلال اتباع السلوكيات القديمة في تدبير المياه وقسمتها بعدالة، إذ توفر هناك "نظام ساعات مائية" يعمل على توزيع المياه وفق آليات دقيقة وصارمة.
وبين، أن البساتين اشتهرت بزراعة التين والرمان والعنب والزيتون والسفرجل والخوخ والمشمش واللوز والتفاح والخضروات التي توفر الاكتفاء الذاتي للفلاحين، كما توفر مساحات للتنزه للعائلات قديما، موضحا أن السكان ومنذ عدة سنوات بدأوا بالعودة لإحياء تلك البساتين والاستفادة منها من خلال طرق الزراعة الحديثة.
وقال الباحث عبدالله آل الحصان؛ إن التوجه إلى الإنتاج الزراعي في منطقة بساتين الشامية بدأ منذ سنوات وبطرق مختلفة، لكن البساتين كانت تشكل فرصة نادرة نظرا لخصوبة تربتها وكثرة ينابيعها وتعلق السكان بها وهي التي تشدهم إلى ماضيهم، مشيرا إلى أن حجم الإنتاج الزراعي والحيواني في تلك المنطقة في ازدياد بسبب إقبال السكان على الزراعة والاستفادة من الفرص التي قدمتها الحكومة والمنظمات المانحة، كما وفرت تلك المنطقة الكثير من فرص العمل للعائلات المنتجة وفئة الشباب.
وأشار إلى العديد من التحديات القائمة منها؛ تجزؤ الملكيات، وصغر مساحات البساتين، وعدم توفر رؤوس الأموال لشراء ماكينات حديثة وأسمدة ولوازم زراعية، إلى جانب نقص بعض الخدمات مثل الطرق الزراعية والإنارة، وقلة الخبرة في التعامل مع الأبنية التراثية، إلى جانب الحاجة إلى إقامة بعض الجدر الاستنادية لحماية البساتين من الانجرافات التي تسببها السيول في فصل الشتاء.
وقالت رئيسة جمعية نساء التغيير الخيرية سحر النعيمات، أنه من الضروري البدء بإعداد دراسة شمولية لتنظيم عملية استصلاح البساتين القديمة في الشامية، والحفاظ على تراثها وتوثيق كافة الممارسات الانتروبولوجية والثقافية التي كانت سائدة أثناء ممارسة الأعمال الزراعية، مع أهمية إدراجها ضمن المسارات السياحية بالتعاون مع أصحاب المصلحة، مؤكدة أن ثمة فرصة رائدة لدمج الأبعاد الاقتصادية والثقافية والاجتماعية أثناء عملية التطوير، وهذا يتطلب توفير الدعم اللازم من قبل الجهات المختصة للحفاظ على هذا الموروث وزيادة إنتاجيته بشكل مستدام.
وقال مدير مديرية زراعة محافظة معان المهندس أحمد آل خطاب، إن المديرية توفر للمزارعين في وادي الشامية الخدمات الإرشادية اللازمة وحملات الرش، كما تم توفير مشروع صغير للطاقة الشمسية في تلك المنطقة لتوفير الكلف على المزارعين وذلك على حساب موازنة مجلس اللامركزية.
بدوره، قال رئيس جمعية بئر الشامية، إن الجمعية ومن خلال برامجها ومشاريعها تعمل على تشجيع المزارعين للاستفادة من الفرص المتوافرة، حيث تمكنت الجمعية خلال الفترات الماضية من تقديم خدمات وتسهيلات للمزارعين وإجراء أعمال صيانة دورية لبعض نقاط الضعف، إلا أنها تحتاج إلى مزيد من الدعم لتمكينها من أداء مهماتها المتنوعة والتي تهدف إلى تطوير تلك المنطقة بشكل علمي ومدروس وتعظيم الاستفادة من الفرص المتاحة.
--(بترا)