نزع تجديد اتفاق الصيد البحري المغرب والاتحاد الأوروبي، فتيل أزمة صامتة بين الرباط وبروكسيل دامت منذ شباط فبراير الماضي، بعد قرار المحكمة الأوروبية بتجنيب منطقة الصحراء (متنازع عليها) من أعمال الصيد.
وخرجت الرباط منتصرة من اتفاق الصيد الجديد الذي تم توقيعه الثلاثاء، في العاصمة الرباط، في حين تلقت طموحات جبهة البوليساريو التي تدعو لانفصال الصحراء، ضربة لمشروعها الرامي إلى منع استغلال بر وبحر المنطقة الجنوبية للمغرب باعتبارها منطقة متنازعا حولها.
نصر سياسي للرباط
وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض، محمد الزهرواي، إن "تجديد هذا الاتفاق وفق السياق الحالي يكتسي طابعا خاصا وهو بمثابة نصر سياسي ظرفي، وذلك بالنظر إلى مجموعة من الاعتبارات التي تتعلق بالوحدة الترابية، ومناورة خصوم المغرب".
وتابع الزهراوي في تصريح لـ"عربي21"، أن "المغرب دخل مسار مفاوضات تجديد الاتفاقية وفق محدد أساسي وهو إدراج الصحراء ضمن الاتفاق، أي أنه ركز على الجوانب السياسية فيما أهمل أو تنازل عن الجوانب الأخرى الاقتصادية والتجارية، لذلك، فالمكاسب السياسية من الاتفاق حكمت وأطرت سقف تحرك المملكة".
وزاد أن "تجديد الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي يساعد على تجاوز ومحو آثار قرار محكمة العدل الأوروبية الصادر في 27 شباط/ فبراير من هذه السنة من محتواه ويفرغه من حمولته القانونية والقضائية".
اقرأ أيضا: الاتحاد الأوروبي ينتصر لمغربية الصحراء ويغضب البوليساريو
وأفاد: "فتشريح الاتفاقية ودراستها بشكل دقيق يساعد على إصدار أحكام موضوعية بشأن هذه المكاسب السياسية، لأنه في تقديري الشخصي، كان من الممكن تحقيق مكاسب سياسية أكبر تخص الوحدة الترابية، ومكاسب اقتصادية وتجارية لو أن المفاوض المغربي عرف كيف يوظف جيدا حاجة أوروبا إلى الاتفاقية لحاول أن يفتح منافذ أخرى مع شركاء جدد في التفاوض".
وسجل أنه "بدا واضحا منذ البداية أن الاتحاد الأوروبي يحاول استغلال قرار المحكمة لفرض شروطه وممارسة نوع من الوصاية على المغرب، لأن هناك فرقا شاسعا بين الشراكة والوصاية".
ربح اقتصادي
إضافة لما تحقق من الناحية السياسية، فقد انتزع المغرب انتصارا أصغر على مستوى الاقتصادي من خلال زيادة العائدات المالية السنوية للرباط من 40 مليون يورو (47.6 مليون دولار) إلى 52.2 مليون يورو (62.1 مليون دولار).
كما تضمن الاتفاق الجديد زيادة في عدد البحارة المغاربة على متن السفن، وتمت تقوية المتطلبات التقنية تجاه 128 سفينة صيد أوروبية المعنية بالاتفاق.
إنقاذ قطاع الصيد بإسبانيا
وتنفست إسبانيا الجارة الشمالية للمغرب الصعداء بعد توقيع الاتفاقية، حيث عبر وزير الزراعة والصيد البحري الإسباني، لويس بلانس، عن "أمله في أن تستأنف قريبا السفن الإسبانية الصيد في المياه المغربية".
تصريحات الوزير الإسباني جاءت بعد توقف العمل باتفاق الصيد البحري الذي يجمع المغرب بالاتحاد الأوروبي، حيث توقفت مراكب الصيد الإسبانية عن العمل في المياه المغربية.
واضطرت الحكومة الإسبانية عن طريق وزير الفلاحة، لويس بلانس، بشكل رسمي، إلى تقديم مساعدات مادية لأرباب السفن وطواقمها المتأثرين بتوقف أنشطة الصيد في المياه المغربية.
وبحسب ما نقلته الصحافة الإسبانية الأحد، قال الوزير في اجتماع مع الهيئات الممثلة للمزارعين، إن "الحكومة أعطت تعليماتها لتمكين الأساطيل الإسبانية خلال الفترة التي لا تشتغل فيها من تدارك الخسائر، وسيتمكن المتضررون من تحسين وضعيتهم بالاستعانة بالصناديق المجتمعية التي تستخدمها إسبانيا في حالات محدودة".
وعرفت عدد من الموانئ الإسبانية احتجاجات للمطالبة بالضغط على الاتحاد الأوروبي لقبول الشروط المغربية، من أجل العودة إلى العمل خاصة وأنها استفادت من 49 ترخيصا (35 قاربا أندلسيا و10 قوارب كنارية، و4 قوارب غاليسية) في عام 2018، تضم 534 من أفراد الطاقم، 107 منهم من المغاربة.
خاسرون
وتابع الزهراوي أن "سياق تجديد الاتفاق وتجاهل الاتحاد الأوروبي دعوات ومناورات بوليساريو الجزائر الرامية إلى التشويش وإفشال التجديد، يعطي للمغرب الأحقية والشرعية في تدبير موارد الصحراء، باعتباره الجهة المخولة حصرا التفاوض باسم المنطقة".
في هذا السياق، صرح عضو الأمانة الوطنية للبوليساريو الوزير المنتدب المكلف بأوروبا، محمد سيداتي، أن اتفاق الصيد البحري يشمل المياه الإقليمية الصحراوية، في انتهاك صارخ لقرار محكمة العدل الأوروبية لـ27 فبراير 2018.
وزاد في بيان نشرته مواقع جبهة البوليساريو، أن نسبة الصيد البحري للسفن الأوروبية في المياه الصحراوية مثلت 91 بالمائة في السنوات الأخيرة من مجموع المصايد الأوروبية التي تم التفاوض عليها مع المغرب وأقل من 9 في المائة تتم في المياه المغربية.
إلى ذلك أعلن الاتحاد الأوروبي والمغرب، الجمعة، توصلهما إلى توافق حول مضمون اتفاق الصيد البحري المستدام وبروتوكول تطبيقه.
ووقع الثلاثاء الاتفاق بالأحرف الأولى اليوم وزير الزراعة والصيد البحري عزيز أخنوش، عن الجانب المغربي، وكلاوديا فيداي، عن الجانب الأوروبي.
وانتهت في 14 يوليو/ تموز الجاري، آجال العمل باتفاق الصيد البحري الذي دخل حيز التنفيذ في 2014، واستمر 4 سنوات.
وانطلقت في نيسان/ أبريل الماضي، في الرباط مفاوضات للوصول إلى اتفاق جديد للصيد، لكن الجانبين لم يتوصلا حتى الجمعة الماضية، إلى اعتماد اتفاق جديد يتلاءم مع قرار محكمة العدل الأوروبية، في فبراير/ شباط الماضي، والقاضي باستثناء إقليم الصحراء من الاتفاق.
وتصر الرباط على أحقيتها في إقليم الصحراء، وتقترح كحل حكما ذاتيا موسعا تحت سيادتها؛ بينما تطالب "البوليساريو" بتنظيم استفتاء لتقرير مصير الإقليم.