هذا الموقع تجريبي
Weather Data Source: weather for Amman

ملفات ساخنة اللاجئون: الضحيّة السهلة للعنصرية!
تفوّقت وزيرة الداخلية البريطانية، سويلا بريفرمان، على نفسها هذه المرة، في تصريح جديد لها ضد اللاجئين الذين يفدون إلى المملكة المتحدة في قوارب تعبر القنال الإنكليزي من فرنسا، قالت فيه إن أولئك المهاجرين «لديهم قيم معاكسة لقيم بلادنا» و«مستويات عالية من الإجرام».
يجري هذا في الوقت الذي نجحت فيه الحكومة الحالية في إقرار قانون مكافحة الهجرة غير الشرعية، عبر التصويت في البرلمان الذي يسيطر عليه حزب المحافظين الذي تنتمي إليه، وهو قانون يحاول تجاوز القوانين الأوروبية لحقوق الإنسان، والذي سيمنع على اللاجئين الوافدين التقدم إلى المحاكم للدفاع عن قضايا اللجوء.
وفي الوقت الذي بدأت فيه الحكومة البريطانية عملية إنقاذ لرعاياها في السودان، وتحدث وزير دفاعها بن والاس عن أزمة إنسانية كبرى قادمة، رفض رئيس الحكومة ريشي سوناك الجواب على سؤال إن كان القانون الآنف الذكر سيطرد الأطفال الهاربين من أزمة إنسانية إذا وصلوا إلى البلاد على قوارب من فرنسا، أما بريفرمان فكانت أكثر وضوحا من سوناك حيث قالت بصراحة إن اللاجئين الهاربين من النزاع السوداني لن يسمح لهم بتقديم طلبات لجوء إلى بريطانيا، وإن الحكومة لن تؤمن لهم طريق مرور آمن للوصول.
المفوضية العليا الأممية للاجئين قامت بتوصيف دقيق لهذا القانون بقولها إنه «منع الحصول على مكان آمن ـ وإنهاء لحق الحماية عبر اللجوء إلى المملكة المتحدة». يحصل هذا رغم أن أكبر من 75٪ من طلبات اللجوء التي تقدم بها القادمون إلى بريطانيا خلال السنة الماضية كانت شرعية، وما سيفعله القانون، عمليا، هو رفض أمثال هؤلاء بشكل أوتوماتيكي، على أولئك القادمين من السودان، وسوريا، وفلسطين، واليمن وغيرها من البلدان التي يعاني مواطنوها أشكالا من الاضطهاد والقمع وانسداد الآفاق.
المشكلة في كل أزمة إنسانية جديدة في البلدان العربية أن بعض أكثر الفئات المهمشة فيها قد تكون أصلا لاجئة من بلدان أخرى، حيث تعرّض آلاف السوريين والفلسطينيين الموجودين في السودان لهذه الحالة، وكان البلد الوحيد الذي أعلن مساهمته في إجلائهم مع رعاياه، هو الجزائر.
يتناظر تصعيد الحكومة البريطانية مع اقتراب موعد الانتخابات المحلية التي ستجري خلال أيام، والأكيد أن اللاجئين صاروا الضحيّة المثلى لتهييج المشاعر لدى بعض فئات الناخبين، وهو ما نراقب نظيرا له في الانتخابات التركية المقررة في 14 من الشهر الجاري، حيث زاد الخطاب التحريضي ضدهم من قبل أحزاب المعارضة، حيث وعد مرشحها كمال كليتشدار أوغلو بطرد اللاجئين خلال سنتين إذا فاز بالانتخابات، وهو ما فعلته زعيمة حزب «الجيد» بل إن رئيس حزب «النصر» أوزميت أوزداغ، ليس له برنامج انتخابي غير إعلان كراهية اللاجئين، وقد أدت هذه الأجواء المشحونة إلى حوادث قتل، واستخدام حرس الحدود القوة المفرطة ضدهم.
استعرّت، في لبنان، في هذا الوقت أيضا، حملة محمومة ضد اللاجئين السوريين، وشاركت فيها أغلب القوى السياسية، ويعاني اللاجئون أولئك منذ سنوات من أشكال فظيعة من العنصرية، تعبّر عنها لافتات تمنع عليهم التجول، وكان أحد أجلى التعبيرات العنصرية لهذه الحملة إطلاق رئيس الاتحاد لنقابات عمال لبنان، مارون الخولي، ما سماه «الحملة الوطنية لتحرير لبنان من الاحتلال الديمغرافي» داعيا لتأليف لجان أهلية لإحصاء السوريين، و«الدفاع عن الأحياء» بالاشتراك مع الشرطة والقوى الأمنية، كما لو أن أسر اللاجئين وأطفالهم، الهاربين من حرب شاركت أطراف لبنانية فيها، هم أفراد عصابات، في تأجيج محموم للمشاعر سيتحول بالتأكيد إلى عنف دمويّ، وأشكال من التضحية بهم بتسليمهم للنظام السوري.
يقع اللاجئون، للأسف، في أسفل السلّم الاجتماعي، وهو ما يجعلهم، لأسباب شتى، الضحيّة المثلى حتى لأمثالهم من الفقراء والمضطهدين في هوامش المجتمعات، لكن حين تشارك النخب السياسية في التحريض ضدهم فهذا يعني أن المجتمعات نفسها تشكو أزمات سياسية تحاول تصريفها بالانتقام من الأضعف والذين لا قدرة لهم على الدفاع عن أنفسهم.