عمان 12 حزيران (المشهد الأخباري) – ايمان المومني – دعا مختصون الى تقديم الدعم الديني والنفسي والاجتماعي والاقتصادي والمعنوي، لكل من تظهر عليه نوازع انتحارية لإنهاء حياته او إيذاء نفسه.
وشددوا في لقاءات مع وكالة الانباء الأردنية (بترا)، على ضرورة توفير البيئة الحاضنة المساندة، وتعزيز الثقة بالنفس والحوار البناء بين الافراد، والاستماع لمشكلات وهموم الأبناء، والتربية الصالحة والتواصل الدائم ضمن الأسرة الواحدة، والتكافل الاجتماعي ضمن المجتمع الواحد.
الناطق الإعلامي باسم دائرة الإفتاء العام الدكتور حسان ابو عرقوب، قال ان من أكبر الكبائر بعد الشرك بالله قتل النفس بغير حق، ولو نفسَه، لأن نفس معصومة، ويحرم على الإنسان قتل نفسه، كما يحرم عليه قتل غيره بغير حق، وفقا لقوله تعالى ( وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا)، اضافة الى الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم اذ قال: (من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيه خالداً مخلداً فيها أبداً ومن تحسى سماً فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً) .
ويرى استاذ علم الاجتماع والفكر التنموي الدكتور سالم ساري ، ان الانتحار مشكلة اجتماعية اذ يهدد فعل الانتحار الوجود الجمعي الذي يرى ان الحياة الإنسانية مسؤولية اجتماعية ، وقيمة عليا يعمل المجتمع السوي للحفاظ عليها وليس العبث بها او اهدارها .
واضاف ان تكرار حدوث الانتحار يشير الى خلل في بناء المجتمع ويدق ناقوس الخطر بتعثر روابطه وعلاقاته وتفاعلاته.
وقال: علينا ان نفرّق بين الانتحار الفعلي (المكتمل )، ومحاولة الانتحار ( غير المكتمل ) ، و "معجلات الانتحار " او ما يمكن ان نسميه " فانتازيا الانتحار " او" اوهام ما قبل الانتحار"- حيث تسيطر على الفرد المقدم على الانتحار أفكار وهواجس ورؤى تزيّن له الفعل ، وتحمله على الاعتقاد بأنه سيحظى بعد مماته بكل ما فقده في حياته( من كرامة واعتراف ، او رعاية واهتمام ربما ليس اقلها الاهتمام الاعلامي).
وتابع، انه في حين يذهب باحثو مشكلة الانتحار عادة بصور متباينة الى تفسيرات نفسية ذاتية داخلية ( متصلة بالفرد الفاعل نفسه ) من تفكك في الشخصية ، واضطراب في الذهنية ، فيشيرون الى عجز وفشل ، واكتئاب واضطراب ...الخ، الا ان باحثي علم الاجتماع يذهبون الى تفسيرات اجتماعية اقتصادية سياسية ( مجتمعية موضوعية ضاغطة موجودة خارج نطاق الفرد ) فيشيرون الى: ضعف الوازع الديني، وضعف التكامل الاجتماعي وقلق الهوية والانتماء، والانتعاش الاقتصادي المفاجئ والهبوط الاقتصادي المفاجئ، وتقلبات الاسعار ومتطلبات مستويات المعيشة، وتراجع التوقعات والحريات والطموحات.
وزاد ساري : تسود مجتمعنا الاردني المتغير بصورة واضحة ثقافة مجتمعية مستجدة -غريبة تماما على الجيل الأكبر سناَ- ويمكن تسميتها " ثقافة الشكوى والتذمر" حيث لا يتردد غالبية الناس من المجاهرة بالشكوى والتذمر من كل شيء، ابتداء من الفقر والبطالة والغلاء وانتهاء بازدحام السير وتقلبات الجو.
وقال ان هذه الثقافة تعد بيئة مثالية للانتحار، تقدم للمنتحر مرجعية التبرير والتفسير ، ولأن الانتحار ذو" طبيعة معدية " ، فانها تقدم لغيره إغراء العدوى والتقليد !، مشيرا الى ان الفرد لا ينتحر ( وحتى لا يمرض) الاّ في فراغ نفسي واجتماعي محيط - حيث تفاهة المعنى والرمز والدلالة، على حد تعبيره، وان المواطن المرتبط بعمق، بقضية مجتمعية سياسية كليّة، فلا ينتحر، ولا حتى يمرض!!وقال المحامي صخر الخصاونة ان المشرع الأردني عدل أحكام الانتحار بموجب مشروع القانون الذي قدم إلى مجلس الأمة ، حيث نصت المادة 26 منه المعدلة لأحكام المادة 293 بمقابلة الشروع بالانتحار في المكان وحددت عقوبة الحبس لمدة ستة اشهر و/ أو الغرامة المالية بمقدار 100 دينار .
واضاف يبدو أن المشرع قد سار على فكرة عقوبة من يحاول الانتحار بقصد لفت الانظار، حيث شدد العقوبة إلى ضعفها اذا تم ذلك باتفاق جماعي، ولا تعد جريمة الشروع في الانتحار اذا كانت بمكان خاص ويستفاد من هذا كله أن المشرع حاول محاربة من يدعي الانتحار بقصد لفت الانتباه .
ولفت الى ان اي شخص يقدم على الانتحار كأنه يعاني أمراضا نفسية ، فاذا ثبت أن المرض النفسي يؤثر على سلامة القوى العقلية فانه وفقا للمبادئ العامة في قانون العقوبات المادة 92، الفقرة (1) منه تنص على " يعفى من العقاب كل من ارتكب فعلا او تركا اذا كان حين ارتكابه اياه عاجزا عن ادراك كنه افعاله او عاجزا عن العلم بانه محظور عليه ارتكاب ذلك الفعل او الترك بسبب اختلال في عقله.
ونصت الفقر (2) منه :" كل من اعفي من العقاب بمقتضى الفقرة السابقة يحجز في مستشفى الامراض العقلية الى ان يثبت بتقرير لجنة طبية شفاؤه وانه لم يعد خطرا على السلامة العامة .
ومعيار المرض النفسي او العقلي هو عدم ادراك كنه الافعال وهذا يثبت بتقرير طبي صادر عن الجهات الرسمية .
واضاف أن المشرع بتعديل نص المادة 25 مكرر يمكن للقاضي أن يستبدل العقوبات السالبة للحرية بعقوبات مجتمعية ومنها المراقبة المجتمعية بمعنى الزام المحكوم عليه بالخضوع لبرنامج تأهيل تحدده المحكمة يهدف لتقويم سلوك المحكوم عليه وتحسينه .
و قال اختصاصي الطب النفسي و علاج الإدمان دكتور منتصر الحياري انه وحسب احصاءات منظمة الصحة العالمية فإنه يموت شخص واحد في العالم كل 40 ثانية بواسطة الانتحار أي أكثر من 700ألف وفاة سنوياً، لافتا الى ان ثلاث أرباع حالات الانتحار تكون في الدول ذات الدخل القليل والمتوسط .
واضاف ان أهم عوامل الخطورة هي محاولات الانتحار السابقة لدى الشخص من ناحية الاضطرابات النفسية، فإن معظم حالات الانتحار ترتبط بالاضطرابات النفسية حيث ان أكثر من نصف المنتحرين كانوا يعانون الاكتئاب النفسي الذي يضاعف خطورة الانتحار بحوالي 25 مرة ، و إن وجود أي اضطراب نفسي آخر مثل اضطرابات القلق والذهان واضطراب استخدام المؤثرات العقلية واضطرابات الأكل يزيد من خطورة الانتحار .
وبين إن الصعوبات المادية و الظروف الاجتماعية و العائلية السيئة والتعرض للإيذاء بأشكاله المختلفة، والأمراض الخطيرة أو المزمنة و الآلام المستمرة كلها تزيد من خطورة الانتحار .
واشارالحياري الى ان المنتحر يكون عادةً وصل إلى حالة من اليأس الشديد و فقدان الأمل و لا يرى أمامه فرصة لتحسن حالته أو الظروف المحيطة ما يدفعه إلى ارتكاب هذا الفعل ، وعادةً ما يكون قد استنجد وطلب المساعدة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة قبل أن يقدم على الانتحار ، إذ أن أكثر من 50 بالمائة من المنتحرين عالمياً طلبوا المساعدة الطبية في الستة أشهر الأخيرة قبل الانتحار .
--(بترا)