في الثامن والعشرين من تموز عام 1936، نشرت صحيفة اللواء، التي كانت تصدر من مدينة القدس، على إحدى صفحاتها عنوانا "ليلة ليلاء تمضيها نابلس أمس.. سبع معارك في ضواحي المدينة- صدام مع المعسكرات في داخل المدينة"، وتناولت وصفا لمعركة وادي التفاح وسبع معارك في يوم واحد، واحتفال نابلس باليوم الـ100 للإضراب.
فيما تناولت صحيفة القدس في عددها الصادر، اليوم الخميس، عناوين عددها الصادر في مثل هذا اليوم قبل عشرين عاما، "شهيدان واعتقالات وتدمير مبان في نابلس القديمة"، وكأن التاريخ يعيد نفسه؛ جرائم الاحتلال المستمرة في المدينة ما زالت، والإضراب كذلك منذ 87 عاما.
تشهد نابلس اليوم كباقي محافظات الوطن، إضرابا شاملا، عقب مجزرة ارتكبتها قوات الاحتلال، أدت إلى استشهاد 11 مواطنا خلال عدوانه على المدينة، وإصابة أكثر من 100 مواطن.
ويقول المؤرخ زهير الدبعي: "إن الإضراب إحدى أدوات المقاومة والاحتجاج التي مارستها أجيال شعبنا حتى قبل الإضراب الكبير في عام 1936، كما أن الهيئة العربية العليا بقيادة الحاج أمين الحسيني، أصدرت قرارا بالإضراب ثلاثة أيام في كانون الأول عام 1947، احتجاجا على قرار الأمم المتحدة رقم (181)، الصادر في تشرين الثاني والقاضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين".
ويضيف لـ"وفا"، أسلوب الإضراب كأدة مقاومة، يُعتبر حقا للمظلوم والمضطهد وضحية العنف والاحتلال، ويجب أن يخضع هذا الأسلوب إلى المتباعة والبحث والدراسة والتقييم؛ في ظل احتلال يندفع بشكل جنوني إلى مزيد من الدموية، وأصبح أكثر رغبة في سفك الدماء".
وتابع "أن الدافع الحقيقي لما جرى أمس في نابلس، ليس الاعتقال أو الاشتباك؛ إنما لتعزيز مكانة ساسة الاحتلال وقادته، لإحداث إرباك جديد في حياتنا اليومية في فلسطين، ولتكون دافعا لهجرة الفئة المنتجة في الوطن من المتعلمين والخبراء والشباب، رغم استهدافه لكل مواطن، إضافة إلى أن دم الفلسطيني أصبح عبارة عن مادة يستخدمها قادة الاحتلال لتقوية نفوذهم في الانتخابات، ومكانتهم في المجتمع الإسرائيلي".
ويشير الدبعي إلى أن الإضراب الكبير عام 1936 انطلق من مدينتي نابلس ويافا، وتم حينها تشكيل أول لجنة قومية باجتماع عدد من ممثلي الأحزاب في مدينة نابلس، وكان أول رئيس للجنة القومية المفكر أكرم زعيتر، وأرسلت نابلس في حينه دعوات إلى المدن والبلدات لتشكيل لجان قومية، وليتم تشكيل ما عُرف باللجنة العربية العليا برئاسة أمين الحسيني، واستمر ستة أشهر؛ عقب شعور الفلسطينين بخطر تزايد هجرة اليهود إلى فلسطين، وتزايد إقامة المستوطنات والاستيلاء على الأراضي.
ويقول: "إن نابلس بالنسبة للمشروع الصهيوني، تُعتبر شيئا خاصا، وجرى التعامل معها بخصوصية; كون الحركة الصهيونية لم تتمكن من شراء دونم واحد من أراضي قضاء نابلس ولوائها إبان العهد العثماني".
المجزرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال يوم أمس أعادت ذاكرة الدبعي إلى تفاصيل بعض المجازر التي ارتكبها الاحتلال بحق المواطنين في مدينة نابلس، ولا تغيب عن مخيلته، خاصة ما حدث يوم الجمعة الأسود من شهر كانون الأول عام 1988، الذي شهد استشهاد تسعة مواطنين، إضافة إلى ما شهده شهر نيسان عام 2002، عندما ألقت قوات الاحتلال مئات الأطنان من الأتربة على بيت آل الشعبي في حارة القريون بالبلدة القديمة، ما أدى إلى استشهاد تسعة مواطنين من العائلة.
يشار إلى أن وزارة الصحة أعلنت أمس عن اسشتهاد 11 مواطنا، وإصابة 103 بينهم 7 في حالة خطرة، عقب اقتحام قوات الاحتلال للبلدة القديمة بنابلس.
وفا