كان الممرض إلياس الأشقر في مستشفى النجاح الوطني الجامعي في نابلس، يبذل جهده لإنعاش إحدى الإصابات التي وصلت إلى قسم الطوارئ، وهي واحدة من خمس إصابات وصلت جميعها في مركبة واحدة.
لم يستطع الأشقر إنقاذ الإصابة التي كان منشغلا بها، ليُعلن عن استشهادها، ولينتقل إلى إحدى الإصابات التي وُصفت بالخطيرة جدا، ليتفاجأ أن المصاب والده عبد الهادي الأشقر (61 عاما)، كل محاولات الابن الممرض فشلت في إنقاذ حياة والده، فاستُشهد بين يديه.
قرابة الساعة العاشرة من صباح اليوم الأربعاء، اقتحمت قوات خاصة إسرائيلية حارة الحبلة في البلدة القديمة بنابلس، باتجاه أحد المنازل الذي حاصرته واستهدفته بعدد كبير من القذائف، ودارت مواجهات مع قوات الاحتلال في البلدة القديمة ومحيط المنزل، ليُعلَن عقبها عن عشرة شهداء، إضافة إلى 103 إصابات برصاص الاحتلال، بينها 6 خطيرة، و55 إصابة بالشظايا، و35 حالة سقوط، و295 حالة اختناق.
لم تكن قصة الممرض الأشقر الوحيدة في العدوان الأخير على مدينة نابلس، فالمتطوع في الهلال اأاحمر الفلسطيني، محمد بعارة، كان منشغلا في عمله بأحد المحال التجارية القريبة في السوق الشرقي، وحارة القيسارية في البلدة القديمة بنابلس، لحظة اقتحام عدد كبير من قوات الاحتلال للمدينة.
بعارة ترك عمله والتحق بطواقم الهلال الأحمر لحظة وصولها إلى الموقع، عقب الإبلاغ عن إصابة خطرة، في الرقبة والخاصرة والقدمين.
يقول بعارة لمراسل "وفا"، "وصلنا بلاغ بوجود إصابة خطيرة بالقرب من حارة القيسارية ويصعب الوصول إليها، انتظرت لحظة وصول مركبة الإسعاف والتحقت بالطواقم، ولحظة وصولنا إلى الإصابة كانت تبدو عليها آثار دماء كثيرة".
ويضيف "في البداية لم أستطع التعرف على هوية المصاب وهو كبير في السن؛ وذلك لخطورة الإصابة، وفور وصولنا إلى المستشفى، تفاجأت أن المصاب هو عم والدي، عدنان بعارة (72 عاما)، وقتها أُصبت بالصدمة، من هول الموقف".
ويتابع بعارة: "إن هذه العملية لم نشهد مثل حدتها من قبل، إلا وقت استشهاد إبراهيم النابلسي، وفي المكان ذاته".
المنزل المستهدف الذي كان يتحصن به ثلاثة من الشهداء، وسط خان التجار الذي يشهد حركة تجارية نشطة في هذه الساعات.
من فوق الجبل الشمالي المطل على البلدة القديمة، يمكن مشاهدة ورصد، حجم القوات التي انتشرت في المحيط، على امتداد شارع الحرية الحيوي، في عملية عسكرية استمرت لنحو أربع ساعات، وسط إطلاق نار كثيف، وقنابل الغاز المسيل للدموع من دوريات الاحتلال، بالإضافة إلى طائرة "دورون" كانت تطلق القنابل من سماء نابلس.
توجهت طواقم الهلال الأحمر فور انسحاب قوات الاحتلال من البلدة القديمة ومحيطها، إلى الموقع، ليتم اكتشاف عدد آخر من الشهداء والجرحى، الذين كانوا وسط الدمار، ولم يكن بالاستطاعة الوصول إليهم.
مشاهد الدمار الذي خلفته القنابل التي أطلقها جنود الاحتلال، أدت إلى محو ملامح المنزل، فلم يعد بالإمكان معرفة المدخل من المخرج، فيما تناثرت الحجارة في الأرجاء.
هذه العملية العدوانية الإسرائيلية، تعيد الأذهان إلى التاسع من آب العام الماضي، عندما اقتحمت قوات الاحتلال حارة الحبلة ذاتها، وفرضت طوقا مشددا وأغلقت جميع مداخل البلدة القديمة، ما أدى إلى استشهاد إبراهيم النابلسي، وإسلام صبوح، والفتى حسين جمال طه، إضافة إلى إصابة 69 مواطنا بالرصاص الحي بينهم سبعة في حال الخطر.
يشار إلى أن وزارة الصحة أكدت أنه منذ بداية العام الحالي استُشهد 61 مواطنا برصاص الاحتلال.
وفا