هذا الموقع تجريبي
Weather Data Source: weather for Amman

ملفات ساخنة التجربة اليابانية في مكافحة الزلازل... كيف السبيل لإنقاذ الأرواح والتعايش مع الكوارث؟
أحيا زلزال تركيا وسوريا الذي خلّف في آخر حصيلة الأربعاء ما لا يقل عن 40 ألف قتيل، النقاش حول أهمية تكيف الدول ذات النشاط الزلزالي العنيف مع هذا النوع من الكوارث ومع قسوة الطبيعة، على غرار اليابان، هذا البلد الذي بات رائدا في هذا المجال خصوصا مع أبنيته المضادة للزلازل ومع خفضه عدد الضحايا بشكل لافت. لكن هل التجربة اليابانية في مكافحة آثار الزلازل قابلة للتطبيق في بقية الدول؟ وكيف يمكن إنقاذ كل هذه الأرواح؟
لا يزال عدد ضحايا الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا الإثنين 6 فبراير/شباط بقوة بلغت 7.8 درجات على سلم ريختر، في ارتفاع متواصل مع تسجيل ما لا يقل عن 40 ألف قتيل حسب آخر إحصائية لوكالة رويترز الأربعاء 15 فبراير/شباط (5000 قتيل في سوريا و35 ألفا في تركيا).
مع هذه الضريبة البشرية الهائلة وفي ظل استمرار التهديد الزلزالي للمنطقة، ودول أخرى معنية بهذه المخاطر، هل من أفق لمواجهة مثل هذه الكوارث الطبيعية أو على الأقل التخفيف من عدد القتلى؟ يبدو أن الجواب الأكثر إقناعا هو في "كوكب" اليابان، البلد المعروف بنشاطه الزلزالي الكثيف والعنيف، الذي تمكن إلى حد كبير من التعايش مع قسوة الطبيعة عموما والزلازل على وجه التحديد، والوقاية من آثارها، خصوصا من خلال هندسة البنايات المقاومة للزلازل.
نلحظ ههنا، أن اليابان قد تعرض على سبيل المثال لا الحصر في الفترة ما بين 5 و14 فبراير/شباط إلى ما لا يقل عن عشرة زلازل تراوحت قوتها ما بين 4.1 و5.8 درجات، حسب أرقام موقع البيانات العالمية لخّصها نقلا عن الإدارة الوطنية الأمريكية للمحيطات والغلاف الجوي NOAA.
كما يجدر الوقوف عند الإحصائيات المرتبطة بالخسائر البشرية الناجمة عن النشاط الزلزالي في اليابان لفهم أهمية التجربة اليابانية في مكافحة آثار الزلازل، خصوصا وأن عدد القتلى هو بالمقارنة مع زلازل ضربت باقي دول العالم أدنى بكثير، عدا عن كارثة زلزال 11 مارس/آذار 2011 الذي ضرب هونشو أكبر جزر اليابان بقوة 9.1 درجات على مقياس العزم الزلزالي المستخدم من المركز الأمريكي NOAA وكذا هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية USGS لقياس الزلازل الكبيرة.
فحسب نفس الموقع، فإن عدد القتلى المباشر لزلزال 2011 كان حوالي 1475، لكن الكارثة كانت أكبر لتسببها في موجات تسونامي ضربت السواحل الشرقية لليابان ما أدى لارتفاع الحصيلة إلى أكثر من 18 ألف قتيل حسب مركز NOAA. ولعل آخر مثال عن قدرة اليابان على التكيف مع قسوة الطبيعة، هو زلزال 16 مارس/آذار 2022 الذي ضرب فوكوشيما بقوة 7.3 درجات وخلّف أربعة قتلى. وزلزال آخر في 20 مارس/آذار 2021 ولم يخلف أية ضحية رغم أن قوته بلغت 7 درجات.
  • الأبنية المضادة للزلازل
من ناحية ثانية، فإن اليابان معروفة بأبنيتها المضادة للزلازل، يوضح موقع لاكراو دوت كوم la-croix.com بأن اليابان التي اعتادت على الزلازل باتت تفرض معايير بناء تعتبر الأكثر صرامة في العالم، كما يتم تجديد البنايات مع مراعاة المخاطر الطبيعية التي تهدد الأرخبيل. يضيف الموقع الفرنسي بأن زلزال تركيا وسوريا الأخير أحيا التساؤلات حول مدى هشاشة المباني التي دمرتها الهزات العنيفة على جانبي الحدود، ما يذكرنا بأهمية احترام معايير البناء وفقا للنموذج الياباني.
يوضح نفس المصدر بأن اليابان استفادت من خبرة طويلة الأمد في مجال مكافحة الزلازل ترجع لقرون، وأضاف بأن دراسات علم الزلازل بدأت منذ مائة عام خصوصا في أعقاب الزلزال الذي دمّر طوكيو في 1923 وخلّف أكثر من 100 ألف قتيل، حيث دمّرت الهزات غالبية المباني الغربية الطراز المبنية بالطوب وكذا المنازل الخشبية التقليدية. في 1924، حدد التشريع المحلي المعايير التي يجب مراعاتها في تصميم وبناء المباني الجديدة، وهو بمثابة أول تشريع هندسي في العالم يحدد معايير البناء التي تراعي النشاط الزلزالي.
  • "مكاتب تحقيق في الجرائم المتعلقة بالزلزال"
وفي تركيا، يطرح انهيار المباني إشكالية كونها قد شيدت بطريقة رديئة الأمر الذي لم يترك فرصة لسكانها للنجاة، ما أثار غضبا عارما في البلاد، وهو ما دفع بالسلطات السبت إلى توقيف حوالي 12 مقاولا في قضية انهيار آلاف المباني جنوب شرق البلاد. بين الموقوفين مقاول في محافظة غازي عنتاب و11 في محافظة شانلي أورفا، حسب ما نقلت وكالة الأنباء الفرنسية. وحسب نفس المصدر، فمن المتوقع توقيف المزيد من الأشخاص بعد إعلان المدعي العام في ديار بكر إحدى المحافظات العشر المتضررة بالزلزال، السبت إصدار 29 مذكرة توقيف وفقا لوكالة أنباء الأناضول الرسمية.
للمزيد: ريبورتاج: زلزال تركيا يسلط الضوء على تقصير محتمل في الالتزام بمعايير البناء رغم صرامة القانون
كما باشر مدعون تحقيقات في المحافظات المنكوبة مثل كهرمان مرعش حيث كان مركز الزلزال في منطقة بازارجيك. وأمرت وزارة العدل التركية المدعين العامين في المحافظات العشر بفتح "مكاتب تحقيق في الجرائم المتعلقة بالزلزال". واعتقلت الشرطة الجمعة مقاولا في مطار إسطنبول، بعد انهيار مبنى فخم على قاطنيه في محافظة هاتاي.
ووفقا لاتحاد الشركات والأعمال التركي فإن أسوأ زلزال شهدته تركيا منذ نحو 100 عام خلّف دمارا يمكن أن يكلف أنقرة ما يصل إلى 84.1 مليار دولار منها 70.8 مليار لترميم المنازل المتضررة، فيما قدر مسؤول حكومي الخسائر بأكثر من 50 مليار دولار، وفق وكالة رويترز.
وقال تقرير اتحاد الشركات والأعمال التركي إن التكاليف الرئيسية ستتمثل في إعادة بناء المساكن وخطوط النقل والبنية التحتية وتلبية الاحتياجات قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى لإيواء مئات الآلاف الذين أصبحوا بلا مأوى. وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد أعلن أن الدولة سوف تستكمل إعادة بناء المساكن في غضون عام وأن الحكومة تعد برنامجا "لجعل البلاد تنهض من جديد".
  • الاستراتيجية اليابانية لمكافحة الزلازل... ما هي؟
يوضح د. محمود القريوتي الباحث المتخصص في علم ورصد الزلازل بأن "هناك عدة خطوات تجسد الاستراتيجية اليابانية لمكافحة آثار الزلازل: الخطوة الأولى هي تقييم الخطر الزلزالي بمعنى معرفة الصدوع النشطة وأماكن الصفائح التكتونية بحيث يتم تقييم المخاطر لكافة المناطق وتحديد أكبر نشاط يمكن أن يحدث في المناطق المعنية بالدراسة، ثم أيضا معرفة خصائص ومميزات الأبنية والمنشآت بشكل عام وأماكن التجمعات السكنية لوضع خرائط تبين مواقع الخطر الزلزالي. الخطوة الثانية هي وضع سيناريوهات اعتمادا على أماكن الخطر الزلزالي وأيضا على أماكن التجمعات والمنشآت السكانية بحيث يمكن تطبيق تلك المخاطر على المناطق السكانية ومعرفة حجم التهديد الزلزالي".

ا ف ب