واستعينوا بالصَّبر...
رسالة قصيرة معينة للنساء في فترة الحيض
رولا دعدوش
بسم الله الرحمن الرحيم
في الدّنيا جنّة وهي القرب من الله والرّاحة بقربه، وأقرب ما يكون العبد من ربّه في سجوده،
فماذا تفعل مَن حيل بينها وبين صلاتها لعذر كتبه الله عليها؟؟؟
أقلقني هذا الأمر كثيراً، فبحثت في الانترنت وفي الكتب... على ما يعوضني عن صلاتي وقرآني في فترة الحيض فكانت المادة قليلة غالبها شرح للحيض.
أما غايتي هو كيف تحافظ الحائض على درجة من قربها من الله ولا تبتعد عنه في هذه الفترة التي قد تكون ثلث عمرها أو نصفه كحد أعلى.
ومن ثم أحببت أن أجعل من بعدي ومحنتي بهذه الأيام رسالة قصيرة للنساء، عسى ربي يجعلها لي صدقة جارية أرجو أن تكون مقبولة وخالصة لوجهه الكريم وأن يطابق قولي عملي، ويزيدني منه قرباً ورضاً و زلفى.
(يا أيّها الذين آمنوا استعينوا بالصّبر والصّلاة إنّ اللهَ معَ الصّابرين) البقرة 153
لفتت نظري هذه الآية في أيام عانيت فيها شدّة بسبب بعدي عن صلاتي وصلتي بربي فأعطتني معنى جديد أوقد بنفسي فرح وسعادة، فسبحانه وتعالى أوجب معيّته للصّابرين ولم يقل مع المصلّين، وكأنه يخاطبني ليست الصلاة وحدها التي تعين على الدّرب بل الصّبر أيضاً، ولا يخفى أن الصبر عن الصّلاة للمحبّ أشق من الصّلاة ذاتها، والبعد عنها وعن العبادات الأخرى يحتاج إلى صبر، فتأتي معيته سبحانه للصّابرين وفي آيات أخرى محبّته للصّابرين (والله يحبُّ الصّابرين) آل عمران 146
لربما بصّبرك أيتها المرأة تحصلين على درجة لن تناليها بعبادتك، ولربما بعد الصبر تعودي إلى صلاتك بإقبال ومحبة فتتفتح لك أبواب من القرب أكثر، فتقدري نعمة الصلاة فتحافظي عليها بأوقاتها وخشوعها...
لا تحزني...
إن كان حال الحيض بينكِ وبين الوقوف بين يدي اللـــــه فقد قال سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلّم للسيدة عائشة، يوم أصابها الحيض وهي في الحج: (دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بِسَرِفَ وأنا أبكي، فقال: (ما لك أنَفِسْتِ). قلت: نعم، قال: (هذا أمر كتبه الله على بنات آدم) رواه البخاري وغيره.
فهذه سُنّة عامّة على نساء العالمين قدّرها لنا العليم الحكيم
في حديث عائشة عند النسائي "ما من امرئ تكون له صلاة من الليل فغلبه عليها نوم أو وجع إلا كتب له أجر صلاته وكان نومه عليه صدقة"
وفي صحيح البخاري من حديث أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا مرض العبد أو سافر كتب الله تعالى له من الأجر مثل ما كان يعمل صحيحاً مقيماً " .
والحيض مرض عارض يمنع صاحبته مما كانت تفعله وهي صحيحة، فإذا أتاها وكان لها رصيد من العبادة، وعادة من الطاعة لم يمنعها من مواصلتها إلا الحيض فإن لها من الأجر مثل ما كانت تعمل وهي صحيحة.
وللنساء أحوال في ذلك تختلف حسب درجة إيمانهن، فمنهن من تثقل عليها صلاتها فتنتظر هذه الأيام وتقول جاءتني أيام الإجازة وهي فرحة بذلك لثقل أزيح عن كاهلها، ومنهن من تثقل عليها أيام الإجازة المزعومة فتشعر بالضيق والاختناق كالسمك إن أخرجته من الماء.
ما السبيل إلى التقرب من الله في هذه الأيام؟
هذه الأيام هي أيام امتحان وبعد حقيقية تحتاج لمجاهدة كبيرة للنفس، فلنحاول أن نخصص لها برنامجاً خاصّاً نبدأه بعزيمة ونية خالصة لله، يصحبها الرّضا والتسليم، ومن ثم الصّبر والحمد وإشغال النفس بأنواع أخرى من الطاعات والقربات.
1- الإكثار من أعمال الخير التي لا تعد ولا تحصى...
من بر والدين، صلة أرحام ولو باتصال، صدقة، السعي في قضاء حاجة أي أحد، تفريح مسلم، تفريج هم مسلم، كلمة طيبة، زيارة مسن، إطعام الطعام، نشر العلم...
2- احتساب الأجر والثواب في كل عمل حتى في أعمال البيت وفي النوم قال معاذ بن جبل رضي الله عنه : " إني لأحتسب في نومتي كما أحتسب في قومتي.
3- حفظ عدد معين من الأحاديث أو سماع دروس علم أو قراءة كتاب معين فالقلب يحتاج إلى غذاء حتى لا يمرض والمادة الواحدة النافعة هي العلم.
4- الانشغال بذكر الله تعالى قال تعالى: (أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد:28[ .
قال صلى الله عليه وسلم : " أحب الأعمال إلى الله أن تموت ولسانك رطب من ذكر الله " , حسنه الألباني رقم: 165 في صحيح الجامع
وفي حديث عائشة رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ. رواه مسلم ولعل ملازمة المؤمن للتسبيح السلوان في جميع المصاب والهموم.
5- الدعاء وهو لا يحتاج إلى طهارة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الدعاء هو العبادة " , صححه الألباني رقم: 3407 في صحيح الجامع .والأدعية في السنة النبوية كثيرة ومن الدعاء أيضاً الدّعاء بأسماء الله الحسنى وصفاته العلى واستحضار معناها.
6- التهجد فمن كان لها وقت عبادة معين تحافظ عليه، فالمتهجدات يتعبن بلا تهجد ففي التهجد راحتهن، فحاولي القيام ولو للحظات عسى أن يكتبك الله من المستغفرين بالأسحار. وفي حديث أبي أمامة رضي الله عنه قال :
حدثني عَمْرُو بنُ عَبسَةَ رضي الله عنه أَنّهُ سَمِعَ النبيّ صلى الله عليه وسلم يقُولُ : (أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرّبّ مِنَ العَبْدِ في جَوْفِ اللّيْلِ الآخِرِ ، فإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمّنْ يَذْكُرُ الله في تِلْكَ السّاعَةِ فَكُنْ (.رواه الترمذي والنسائي..
فمن استطاع أن يكون ممن يذكر الله عزَّ وَجَلّ في تلك الساعة فليَكُن، على طهارة أو ليس على طهارة ؛لأن ذِكر الله والدعاء لا تُشترط لها الطهارة ، وإن كان الأفضل أن يكون الداعي على طهارة تامة .
7- الإكثار من سماع القرآن وممكن ختم القرآن سماعي خلال هذه الفترة
فإن كنت في الحيض فلا تحرمي نفسك القرآن، إن منعت من قوله بلسانك فلك أن تقرأيه بقلبك وتنظري إليه بعينيك أو تسمعيه بأذنيك...
فالجسد كله وسيلة لكن الأهم أن يكون القلب مع الله على الدوام
8- اكتبي بشكل جدول صغير ما أنجزت في فترة الحيض من كل شهر، مثلاً قرأت كذا وحفظت كذا، زرت فلان... ففي هذه الطريقة حفاظاً لوقتك وتخفيفاً لفراغك الداخلي ورفعاً لمعنوياتك ومراقبة لعملك بغية الزيادة فيه.
فتاوى
-الذي يحرم عليها هو الصلاة والصوم، والطواف، ومس المصحف، والوطء.
وذلك لقوله عليه الصلاة والسلام : أليس إذا حاضت المرأة لم تصلّ ولم تصم ؟ "
-هل يمكن للمرأة أن تقرأ القرآن أثناء فترة الحيض أو الدورة الشهرية ؟
هذه المسألة مما اختلف فيه أهل العلم رحمهم الله :فجمهور الفقهاء على حرمة قراءة الحائض للقرآن حال الحيض حتى تطهر ، إلا ما كان على سبيل الذّكر والدّعاء وذهب بعض أهل العلم إلى جواز قراءة الحائض للقرآن وهو مذهب مالك، ورواية عن أحمد اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية ورجحه الشوكاني واستدلوا على ذلك بأمور منها :
أن الأصل الجواز والحل حتى يقوم دليل على المنع وليس هناك دليل يمنع من قراءة الحائض للقرآن ،
فقراءة الحائض القرآن في قلبها أو في لسانها دون أن تسمع نفسها جائزة بالاتفاق كما نقل عن النووي في المجموع
والله أعلم قد يؤخذ بالفتوى لمن لها ورد معين 5أجزاء يوميا مثلا فهي مريضة بدونهم، ليس لمن لا تقرأ إلا نادراً فيخطر ببالها التعبد وقراءة القرآن في هذه الأيام.
وقيل: أنه كان من هدي نساء المسلمين في أيام حيضهن أنها تتوضأ عند وقت الصلاة ، وتذكر الله ، وتستقبل القبلة ذَاكِرَة لله جالسة
.. والله أعلم
ربنا تقبل منّا إنك أنت السميع العليم