كان الشاعر أبو الطيب المتنبي يسير في أحد أسواق الكوفة، فاستوقفه رجل كبير السن وسأله عن أكذب بيت من الشعر، وأصدق بيت، قاله المتنبي في آن واحد، وهنا ارتسمت على محيا الشاعر المتنبي علامات الإعجاب والترقب من هذا الرجل الكوفي، لكن شاعرنا المتنبي سأل الرجل وهل تحفظ ما قلته في هذا الصدد؟
ترجّل الرجل وأنشد ما قاله المتنبي في بيت من الشعر أمام امرأة في أحد أسواق الكوفة:
بعيني رأيتُ الذئب يحلب نملة
ويشرب منها رائباً وحليباً
وتدور أحداث قصة هذا البيت سواءً كان كذباً أو صدقاً حول امرأة كوفية من مدينة الكوفة التي وُلد فيها شاعرنا المتنبي، كانت تبيع السمك.. يقول المتنبي: كنت مرة في أحد أسواق الكوفة بجوار امرأة فقيرة الحال تبيع السمك، فجاءها رجل غني فاحش الغنى ومتكبر فسألها: بكم رطل السمك؟ فقالت يا سيدي بخمسة دراهم، فقال الغني: بل بدرهم. فقالت المرأة: يا سيدي السمك ليس لي وأنا لا أستطيع أن أبيعه إلّا بخمسة دراهم، وهنا قال الغني للمرأة: أعطني عشرة أرطال، وفرحت المرأة وظنّت أنه سيدفع لها خمسين درهماً، ولما أعطته السمك أخذه ورمى لها بعشرة دراهم وانصرف، فنادته المرأة يا سيدي يا سيدي وهي تبكي فلم يرد عليها، فناداه المتنبي بأعلى صوته، لكنه لم يردّ عليه فغضب الشاعر المتنبي وقال هذا البيت من الشعر:
بعيني رأيت الذئب يحلب نملة
ويشرب منها رائباً وحليباً
وهكذا فقد قصد المتنبي الذئب هو الغني، وأن النملة هي بائعة السمك الفقيرة، ولأن الذئب لا يعرف كيفية الحلب وأصلاً النملة ليست بالحلوب، لذلك كان بيت الشعر الذي قاله الشاعر المتنبي أصدق بيت من الشعر في أسواق الكوفة، فما أجملها من صورة شعرية، وما أشبهها بعصرنا هذا الذي اختلط فيه الحابل بالنابل.