بركات الزِّيود- أنتج سكان غور النَّقع الأردني في وادي الأردن قبل 700 عام أجود أنواع السُّكَّر بنوعيه الأسود والأبيض وتمَّ تصديره إلى دول العالم، وهذا ما ترويه غُرف وجُدران أقدم مصانع السُّكر، والتي ما زال الأردن يحافظ عليها ويعتني بها، لتكون شاهدًا على تاريخ المملكة الطويل.
وقطعت وكالة الأنباء الأردنية (بترا) مسافة 200 كيلو متر من العاصمة عمَّان باتجاه جنوب المملكة، وفي هذه الرِّحلة لم نعبر طريق الجنوب الصَّحراوي، بل سِرنا مسافة قصيرة قبل أن تنخفض تضاريس الأردن إلى 400 متر تحت سطح البحر، ثُمَّ اتجهنا ملاصقين للبحر الأزرق الميت عبر طريق طويل، وانتهي البحر وبدأت مناطق الأغوار الجنوبية، لنصل أخيرًا إلى أحد أقدم مصانع إنتاج السُّكر في العالم في غور النَّقع.
وتقول اللوحات الإرشادية التي زرعتها دائرة الآثار العامة في الموقع: مرحبًا بكم في موقع طواحين السكر، وتبين اللوحة للزَّائرين تاريخ إنتاج السكر في المصنع بين القرن 11 إلى 15، وتدل البقايا الفخارية بأنَّ المصنع مؤلف من منطقتين شمالية وجنوبية، وغرف لإحدى عمليات الإنتاج وطريقة عصر وتصفية قصب السكر، فقد بنى هذا المصنع الأيوبيين والمماليك قبل سبعة قرون كاملة.
المصنع ما زال بكامل معداته وغرفه التي كانت تعج بالإنتاج والحياة، ويستطيع الزَّائر إليه، أن يسير مع قنوات المياه التي تنقل الماء القادم من وادي الحسا لتحرك به الطواحين المخصَّصة لعصر قصب السكر والذي كانت تنتجه مناطق وادي الأردن القريبة من المصنع ويتم نقله على الدَّواب، ثمَّ يقوم عمال المصنع بتنظيفه وتقطيعه، ونقله إلى الطَّواحين التي تقوم بهرسه ونقله إلى أحواض كبيرة ظاهرة، وهنا يتم فرزها إلى سكر وعصير، ويتم غلي السكر وتصديره وبيعه فقد كان أحد الموارد الاقتصادية المهمة.
في الموقع تواجد مدير مكتب آثار منطقة الأغوار الجنوبية الدكتور محمد الزَّهران والذي سألناه عن إنتاج السكر من وادي الأردن، فقال لنا معلومات هامة جدًا، أبرزها أنَّ منطقة وادي الأردن منطقة غنية بالمياه وخاصة وادي الحسا دائم الجريان وتربتها خِصبة، بحيث كان قصب السكر يزرع بكميات كبيرة.
وأضاف، أنَّ أول ظهور للسكر كان في الهند عام 3300 قبل الميلاد وانتقل بعد ذلك إلى العراق وتحديدا في مناطق البصرة والأهواز ومناطق ما حول نهر دجلة، ومن ثم انتقل إلى مناطق وادي الأردن وعثر على العشرات من مصافي ومطاحن السكر في مناطق طبقة فحل وضِرار والكريمة. وفي منطقة الأغوار الجنوبية تم توثيق ثلاثة مصانع لقصب السكر من أهمها موقع طواحين السكر في غور النقع والذي بُني خلال الفترة الأيوبية والمملوكية في القرن 11 وحتى 15.
وبين، أنَّ قصب السكر كان يُزرع في منطقة غور الصافي ومنطقة الجُوَر ومنطقة فيفا ويتم نقله إلى المعصرة على الدواب، والمياه تساعد على إدارة الطواحين الحجرية الدائرية وقبل ذلك يتم تنظيفه وتقطيعه من قِبل العمال في المصنع ثم يتم هرسه في الأحواض الحجرية، وهناك أحواض تستخدم لغلي السكر وإنتاجه بنوعيه الأسود والأبيض، وعثر على أطباق فخارية لتجفيف السكر وأماكن لتخزينه وتصديره إلى الخارج.
ولفت إلى أنَّ صناعة السُّكر كانت مهمة خلال الفترة الفاطمية واستخرجوا السكر من العسل وكان يستخدم في صناعات الأدوية والعقاقير الطبية، وفي الفترة الأيوبية ظهرت صناعته واهتم به أيضا المماليك وأصبح من الموارد الاقتصادية المهمة لهم، وكان سكر غور الصافي من أجود أنواع السكر في العالم حسب ما ذُكر بالنقوش التي تعود إلى الفترات الإسلامية.
ما يلفت الانتباه، أنَّ الموقع ما زال بأجمل حُلَّة وبكامل تفاصيله التي كانت قديمًا، ولم يعبث به أحد، ويحافظ أهل غور النقع عليه ولا يسمحون بالاعتداء على أي حجر منه، وتحيط دائرة الآثار العامة بعين الرِّعاية له على مدار السَّاعة، وهو إرث تاريخي طويل وأصيل يوثق لحضارة أردنية عظيمة.
وبهذا التَّاريخ الموثق في وادي الأردن تكون أرض الأردن قد أنتجت السكر قبل 700 عام، وبحرها أيضًّا أنتج الملح، وتشير الكثير من المسوحات الأثرية والتاريخية الثَّابتة إنتاج حضارات قديمة لمادة القار أو ما يسمى الأسفلت من منطقة البحر الميت، والمواد العطرية مثل البلسم ومادة النيلة.
--(بترا)