ها هم مجددا، يهدد أحدهم بحرق أو يحرق فعلا نسخا من القرآن الكريم، لفتا للأنظار ونيلا للشهرة الزائفة، في حوادث لا تنم إلا عن إفلاس وشذوذ أخلاقي، لا يمت إلى حرية التعبير والرأي بصلة، بقدر ما ينم عن خلل فكري أو كراهية مبيتة لافتعال حوادث لن تسهم إلا في تأجيج العداوة بين شعوب العالم، وتبعات ذلك الخطيرة.
فما قام به قبل أيام معدودة زعيم حزب “النهج المتشدد”، المناهض للهجرة العنصري الدنماركي – السويدي راسموس بالودان، بحرق نسخة من القرآن الكريم في إحدى المدن السويدية هو عمل مدان أرعن غير مسؤول لا يجب أن يمر إلا بمثول هذا الشخص، ومن عاونه على ذلك، أمام القضاء، لينال ما يستحقه من عقاب بقوة القانون الذي تتغنى به الشعوب الأوروبية تاريخيا.
والأمر لا يقف عند مطالبة المجتمعات لذلك حفظا، أولا وأخيرا، على سلمها الأهلي، بل على الحكومات الأوروبية سن القوانين التي تحمي مشاعر الملايين من أتباع الأديان من جنون بعض السياسيين، الذين يرون فيما قام به بالودان، ومن هم على شاكلته، أسهل الطرق للفت الأنظار وكسب الشعبية لتحقيق مآرب سياسية من فوز في الانتخابات وغير ذلك.
والطامة الكبرى أن ما حدث ويحدث يأتي في بعض الأحيان تحت حماية أجهزة الشرطة، كما تم في السويد مؤخرا، وهذا بحد ذاته أمر يثير الامتعاض والقلق كون أن على الدول حماية ما يصب في دعم الوئام والتعايش داخل المجتمعات، لا ما يقوم على تأجيج مشاعر الحقد وصناعة الكراهية، خصوصا في شهر رمضان الفضيل، وهذا موضوع على نخب المجتمعات والعقلاء في أوروبا تدارسه قبل فوات الأوان.
المشكلة أيضا أن ما قام به بالودان يأتي، عامدا متعمدا، في مدينة سويدية يقطن فيها مجتمعات مسلمة، وهو ما يؤشر على اللامبالاة تجاه مشاعر الناس والحقد ضد العقيدة الإسلامية، ما قد يؤدي إلى ردات فعل لا تحمد عقباها. وكل ذلك يتعارض مع أبسط حقوق الإنسان وحرية العبادة.
أما إسلاميا وعربيا، فلا يجب أن يقف الأمر، دفاعا عن قرآننا الكريم، عند محاولات تذهب أدراج الرياح من مقاطعة للمنتوجات الأوروبية واستدعاء للسفراء للاحتجاج وغير ذلك، بل على الأمة العربية الإسلامية تبني موقف جماعي صارم يدعو الأمم المتحدة إلى اتخاذ قرار أممي يتصدى لمحاولات ازدراء الأديان، مهما كانت طبيعة هذه الأديان، فالأصل احترام عقول ومشاعر الناس أولا وأخيرا. أما سياسة الصمت والتغاضي فلن تزيدنا إلا هوانا على هوان. ولو قام مسلم في أوروبا ضد دين الغالبية في دولة ما هناك بما قام به العنصري الدنماركي – السويدي ضد الإسلام، لتم اعتقاله بتهم الإضرار بمصالح المجتمع. وهذا بحد ذاته ينطوي على نفاق ومعايير مزدوجة فاضحة في تطبيق القانون.
ويبقى أن خير رد على الحاقد بالودان، هو قول الله، عز وجل في محكم التنزيل، “يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ”. وهذا ما لا يستطع كل من في نفسه غل وفي قلبه مرض ضد كتاب الله ونحو ملياري مسلم من تحقيقه. ويكفي قرآننا الكريم أن تعهد الله، سبحانه وتعالى، بحفظه بقوله: “إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ”. وكفى بالله وكيلا، وهو خير الحافظين رغم أنوف الحاقدين.
عن الغد