هذا الموقع تجريبي
Weather Data Source: weather for Amman

مقالات الإعتذار.. خُلق عظيم وثقافة راقية

هموم ومشكل الحياة كثيرة.. وتزداد صعوبة يوماً بعد يوم، فمن منا يخلو من الضغوطات أو لا تواجهه صعوبات.. وأصبح البعض لا يتحمَّل إنتقاد الآخرين أو سماع كلمة قاسية أو جارحة منهم ولو بطريقة المزاح أو الخطأ. وليتها تقف عند هذا الحد بل تعدتها وأصبحنا نعتدي على بعضنا البعض إن كان ليس بالأيدي فباللسان من ألفاظ نابية نُطلقها على الآخرين لمجرَّد أن وقع بيننا سوء فهم أو قيل بحقنا كلمة أو عبارة جارحة.

والكثير منا فقد (الحُلم) ولم يعُد في قاموس تعامله مع الناس بل راح إلى مرحلة الشتم أو التطاول باليد على الشخص الذي أساء إليه.. حتى أن كلمة (آسف) لم تعُد لدى البعض تليق بـ (بريستيجه) أو منصبه ليقولها لمن سبب له إساءة.

وبسبب تراكم الضغوطات والهموم وضيق الحال وخاصة بعد ما سببته جائحة كورونا للناس ترى الكثيرون لا يتحملون أن يسمعوا أي كلمة إنتقاد أو تجريح من الآخرين، حتى لو كانوا من المقربين.. وإن لم يردُّوا عليهم لفظياً قاموا بمقاطعتهم وعدم التواصل معهم.. وبهذا تكون الكلمة الجارحة هي السبب في هذه الفُرقة والقطيعة بين البعض.

وينظر البعض إلى أن هذه الكلمة (الإعتذار) هي إهانة له أو إنتقاص من قدرِه.. فيُسبب عدم الإعتذار ممن تطاول بالكلام أو غيره البُغض والشحناء والخصومة الشديدة، وقد تقع عواقب سيئة وخاصة بين الأزواج عندما تقع الخلافات ويتمسك كل طرف برأيه وموقفه ويترفع عن الإعتذار.. عندها تتفاقم المشكلة وقد تؤدي للطلاق.

البعض منا قد يجرح آخرين ربما يكونون أقرباء أو حتى غرباء بدون أن يعتذر لهم أو أن يُبدي أسفه أو ندمه على ما بدر منه في حقهم بقصد أو بدون قصد.. فيخجل من الإعتذار لاعتقاده بأنه سوف يُنقص من مكانته. وهؤلاء الأشخاص يفتقرون إلى حُسن الخُلق والأدب في تعاملهم مع الآخرين.. بل ونتيجة لذلك يهزمهم كبريائهم وتكبُّرهم على الناس فيُصبحون محل إنتقاد واشمئزاز، ويتجنب الآخرون التعامل معهم أو الوثوق بهم والتقرُّب منهم.

الإعتذار لا يُنقص من قدر الإنسان أو مكانته.. بل يزرع الود ويُبيِّن حُسن الخلُق والتواضع.. فهو مصدر قوة وليس ضعفاً.. وهذا لا يُدركه إلا من كان يتمتع بقدر كافٍ من الحُلم والفهم.. فالبعض يُصر على موقفه ولا يسمح للإعتذار أن يكون من أولوياته أو مبادئه أو حتى من حقوق الآخرين عليه عندما يغتالهم بكلامه الجارح أو إنتقاده اللاذع .

لذا فعندما تجرح إنساناً بالكلام أو بالأفعال فالأجدر بك أن تعتذر له.. حتى لا يحمل عليك أو تتسبب له بضيق.. فالإعتذار خُلق عظيم وثقافة راقية لا يستوعبهما إلا القليل.. فلا تخجل من كلمة آسف فقد تكون صابونة القلب التي تُزيل ما علق به من سوء جراء إساءتك لأحدهم.. وعامل الناس كما تُحب أن يُعاملوك فالدين المعاملة كما قال رسولنا الحبيب صلَّ الله عليه وسلم.

يجب أن يتمتع غالبيتنا وليس الكل -لأن هذا مستحيل- بحُسن الخُلق والتعامل مع الآخرين بكل لطف وذوق.. فعامل الآخرين كما تُحب أن يُعاملوك، وترفَّع عن صغائر الأمور والإساءة لغيرك على أتفه الأمور والأسباب.. حتى تبقى في معزل عن الولوج في مُشادات واشتباكات مع أُناس قد يضرُّك كلامهم أو أفعالهم.