محمد محيسن
أن يحلم الإنسان برغيف خبز فهذا أمر شائع، وبات امرأ عاديا في الزمن والماضي والزمن الحاضر ، اما من لم يمتلك أسنانا كي يهضم الخبز الذي حلم به، فهذا غاية في المأساوية، واستغراق حتى القاع في تفاصيل الفقر، ومعاناة الفقراء في آخر الزمان.
احد الإذاعات المحلية ، استقبلت اتصالا من طفلة لا يتجاوز عمرها 12 سنة، تطلب بصوت غير مفهوم "طقم أسنان" ، أعاد المذيع السؤال ، ماذا تريدين يا صغيرتي؟، قالت وقد بدا في حديثها شيء من الخوف والإحراج "طقم أسنان"، ثم توقفت لم تستطع الكلام.
نحن المستمعين للإذاعة لم نفهم ماذا تريد بالتحديد، حتى تحدثت عمتها إلى المذيع لتخبره القصة.. هي طفلة يتيمة لا معيل لها إلا والدتها، التي تعمل براتب يكاد يكفيهم ثمن الخبز، استطاعت أن تجمع ثمانين دينار بصعوبة، كي تصلح تشوها خلقيها أصاب أسنانها، فمنعها من القدرة على الكلام بوضوح.. وأردفت "كنا نعتقد أن هذا المبلغ كاف، ولكن تبين انه قليل..
توقف المذيع برهة من الوقت، وتوقفنا معه أيضا، حتى انه تلعثم في الحديث مع الجمهور،ونحن المستمعين تلعثمنا أيضا.. لحظات من السكوت.. كم تحتاجين يا صغيرتي؟، أجابت بحذر (520) دينار.. اعرف أن هذا المبلغ كبير ولكنها، أمنيتي التي احلم بها كل يوم ..
في اليوم التالي، افتتح المذيع برنامجه الصباحي ، بقصة الطفلة بعد أن استرجع شيئا من هدوئه، لقد وصلت الإذاعة مجموعة كبيرة من التبرعات للطفلة الحالمة بـ"طقم ألأسنان" ، احد التبرعات كانت تعهدا من احد المحسنين بتكاليف العلاج كاملة على نفقته ، فيما تبرع أناس كثيرون، من بينهم طفلة أخرى بحصالتها كاملة.
ختم المذيع الخبر السعيد، باتصال مع الطفلة ولكننا لم نسمعها هذه المرة ، فقد سمعنا همسا وبكاء ـ بدا وكأنه بكاء الفرح..
علق المذيع بصوت هادر ، الكثيرين يحلمون بتغير أثاث منزلهم أو سيارتهم، ولكن أن يحلم الإنسان بـ"طقم أسنان" فهذا غاية .. لم يكمل .. فقد كان بكاء الطفلة طاغيا على المشهد..
ما الذي اجبر هذه الطفلة على البوح ، بهذه الأمنية ..سوى ذلك المسؤول الذي لا يعلم قيمة أن تكون قادرا على الكلام. لمجرد انك لا تمتلك مالا..
"عزيزي" المسؤول تذكر.. أن أحلام الفقراء لا تزيد عن رغيف خبز وغموس، ولا تزيد عن ملبس يستر البدن وباب يستر السكن..
تذكر..يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه ، وانت تسرق حلم هذه الطفلة وغيرها من مال العلاج ومال التعليم..