كشفت معاناة الغارمات والحلول التي قدمت لها خلال السنوات الفائتة مدى تجاهل احتياجات المجتمع الاردني، وان فزعة الاردنيين.. شركات ومؤسسات وافرادا، وتحرك البنك المركزي الاردني لرسم منحنى جديد لإقراض المشاريع الصغيرة والمتوسطة كلها أتت تنفيذا لتوجيه ملكي لإنهاء المعاناة وسد الثغرات حتى لا تعود للظهور مجددا في المجتمع، والمأمول ان يتم إصدار تشريعات وقرارات تؤدي الى مواصلة الجهود لزج الفقراء والمتعطلين عن العمل في التنمية، وتحسين مستويات معيشتهم لتمتين نسيج الاردنيين الذي عانوا كثيرا خلال السنوات الماضية بعد تفاقم البطالة والفقر والتضخم الذي ارهقنا جميعا وتحمل الفقراء ومحدودي الدخل أعباء كبيرة لا يدركها الا من عاشها وكابد شظف العيش في شعب يتمسك بوطنه وكرامته وقضاياه الوطنية والقومية.
هذه التجربة المريرة تؤكد اننا بحاجة ماسة لإعادة توجيه الاقتصاد للطريق الصحيح، والتركيز على التنمية والتشغيل بالدرجة الاولى، وهذا يتطلب تشريعات ناظمة للاقتصاد تقدس الانتاج والانتاجية العالية وتوفير متطلباتها من حيث تحفيز القطاعات الانتاجية الزراعية والصناعية والخدمية، وهذا يتطلب إجراء مناقلات في الاهتمامات الحكومية وتقديم تنشيط القطاعات الاقتصادية لتلبية الاحتياجات المحلية والتصدير للاسواق الخارجية، ثم الالتفات الى معالجة عجز الموازنة والدين العام إذ ركزت الحكومات طوال 30 عاما مضت على الملفات المالية وسياساتها، ولم تأت النتائج بثمار حقيقية فقد قادتنا الى المزيد من الديون وعجوزات مالية متفاقمة، ولم تسعف السياسات المالية ( الضريبية ) النمو حيث سجل تراجعا الى مستويات مخيبة للأمال خلال السنوات القليلة الفائتة.
ليس المهم ان تربح البنوك فقط وعدد قليل من الشركات، وبقية القطاعات والشركات غارقة في الخسائر والتراجع، فالاولى ان تربح البنوك والقطاعات الاقتصادية معا بحيث تعمل كمنظومة متكاملة ترفد بعضها البعض، وفي هذا السياق لا نريد من المسؤولين وأصحاب القرار إعادة صناعة العجلة وإنما نريد استخدامها بالشكل الصحيح، فالاقتصاد الانتاجي التقليدي والمعاصر يقود القطاع المصرفي وليس العكس، واحتياجات الحكومة من الايرادات تتبع احتياجات ومتطلبات الاقتصاد، وهذا يحتاج الى سياسات وتشريعات وقرارات تسعف، ويقينا ستعود بمزيد من الايرادات على خزينة الدولة.
لسنا فقراء في تشخيص الاوضاع الاقتصادية، لكن هناك استحواذ حكومي غير منصف على القرارات بمعزل عما يطرحه القطاع الخاص والخبراء لتنشيط القطاعات الانتاجية، وخلال العقود والسنوات الماضية كانت بعض القرارات الحكومية التي تعاملت بمرونة مع القطاع الخاص والمواطنين اثمرت تحسنا في الاقتصاد والمجتمع، منها إعفاء غرامات المسقفات وتقسيطها، وإعفاء رسوم تسجيل الشقق بمساحة 150 مترا مربعا فأقل لتملك الشقق انعش السوق، والإعفاء الجزئي الجمركي للسيارات الهجينة والكهربائية انعكس بشكل إيجابي على القطاع والمستهلكين ولم يؤدِ الى تقليص ايرادات الخزينة..إعادة توجيه الاقتصاد لجهة تسريع وتائر نمو الزراعة والصناعة والتجارة سيقود تدريجيا الى نمو مريح وتتحسن معه تدريجيا ايرادات الخزينة.