يوسف محيسن .. يكتب من السويد
هذا الحكي زمان ..
أثناء محاولتي تجنب صدم كلب، فقدت السيطرة على سيارتي وهبطت في منحدر على جانب الطريق.
عندما خرجت من السيارة وتسلقت المنحدر بصعوبة بالغة،
وأذ بامرأة جميلة أوقفت سيارتها وجاءت لمساعدتي..
هل أنت بخير
أنا بخير على ما أعتقد، أجبتها وأنا أحاول الوقوف.
قالت تعال، اركب سيارتي، سآخذك إلى بيتي الذي لا يبعد سوى بضع دقائق.
يمكننى تنظيفك، وبعد ذلك سأفحصك للتأكد من أنك لم تتأذى..
أجبتها:
هذا لطف منك، لكن لا أعتقد أن زوجتي ستكون سعيدة إذا ذهبت معك!
أصرت وقالت:أنا طبيبه، نحتاج إلى معرفة ما إذا كان لديك أي خدوش ومعالجتها بشكل صحيح..لقد كانت حقا جميلة ولطيفة جدا. لم استطع أن أقول لا..
لكنني كررت، أنا متأكد أن زوجتي لن تكون سعيدة إذا ذهبت معك.
وصلنا إلى منزلها وبعد ان تنظفت من الطين، قامت بفحصي للتأكد من عدم إصابتي بأي إصابة كبيرة، ثم عرضت علي ان نتناول العصير. فشربناه، ولكن طوال الوقت كنت أشعر بالذنب واخبرتها اني أشعر بتحسن كبير الآن، لكنني أعلم أن زوجتي ستكون مستاءة لذا من الأفضل أن أذهب الآن..
قالت بابتسامة لا تكن سخيفا ابق لفترة من الوقت لن تعرف زوجتك أي شيء فهي بالمنزل أليس كذلك؟
اجبتها لا ..
اعتقد أنها ما زالت في السيارة في قاع المنحدر..!
*****************
في طفولتنا الباكرة كنا نحب العيد، العيد المجرد، ونسعد بقدومه.. قلما نسأل عن المناسبة، فقط يهمنا أن هناك عيد آت، ثم نستكشف لحظة بعد لحظة ماهيته ومناسبته وفق مقتضى الحال.
ومع تنامي الإدراك، بدأ الهم يسري كعدوى ممن هم حولنا، فعيد الأضحى هو عيد اللحم الذي كنا نظنه حراما، ولكنه يأتي وثمن الخروف سؤال؟ وعيد رمضان تمت تسميته لاحقا عيد الفطر، له مقدمات ذات روائح ومناظر، كعك العيد وازدحام الأسواق بالملابس والأحذية المجلوبة من بلاد الله البعيدة، والألعاب الجديدة على أرفرف الدكاكين، ومرجيحة لعبة تنسي الوقار، وتذهب بك في الخيال.
العيد هو عطلة وما أحلى التعطل والتبطل والنوم حتى تلسعك شمس الظهيرة، أما ما عدا ذلك فهو محفز على القلق.. موعد المدرسة الصباحي وآلام الصحو الباكر، معتقل المدرسة وإطلاق السراح المشروط بالعودة غدا صباحا ..
العيد هو الحب والحب في وعينا الباكر فيلم ممنوع فيه اصطحاب الأطفال، والحب في طفولتنا هو حب الإجازة واللعب طوال النهار، هو قطعة حلوى تحشرها في جيبك في زيارة خاطفة للجيران والأهل، هو نظرة لفتاة في الشارع الخلفي كنت تراها شعثة مغبرة عبر السنين، واليوم هي ملكة متوجة في زي جديد..
***********************
في أماكن الذاكرة المكتظة بالمارة، والمتسارعة في الأحداث، يلفحني هواء رطب، وروائح مصنوعة من شغف، وابخرة، وأدعية، وسمات، وملامح متعددة الأشكال، متفرقة المعاني، متنازعة العواطف، تسير معاكسة لكل الأتجاهات، فلا تملك ألا أن تقطف منها نذرا يسيرا، حتى تشبع عقلك، فتعلم انك جزء أصيل من خرافة لا نهائية.
أول ما تذكره مدخل لكهف تطلب منه أكثر من أمكانياته. ثم يأخذك صوت ساحر إلى متاهة الكهف.
يالها من سعادة. ثم تحملك الخرافة إلى وقائع الدنيا السيريالية، وتقذف بك، حيثما تشاء، تحركك بأنتظام مع إيقاع كوني يمشي على رتمها، دون أن تعي معانيها.
***************************
شكرا للخطوط الحمراء، والزحام، والغبار..
شكرا شكرا للحواجز والتفتيش، والناس المتعبة، والوجوه، والوجوم في كل زاوية وعلى مفترق الضحكات..
كأنهم يسلخون جلدك..عندما كنت تخرج الى الشارع ..
في بلد مسلوخة من الوريد الى الوريد..
تحاول أن تكتب شيئا في عزلتك عن كل هذا الذي يحدث ..
وما زال يحدث، وأنت عالق في منتصف الحنين..
ثم تكون حيث لا ينبغي أن تكون