في هجوم المستوطنين الأعنف على بلدة حوارة جنوبي مدينة نابلس بالضفة الغربية مساء الأحد، استشهد الفلسطيني سامح حمد الله الأقطش، أو "الشيخ سامح" كما يعرفه أهالي قريته.
كالصاعقة وقع الخبر على كل من عرف الشيخ سامح (37 عاما) أو سمع به، فهو المعروف بهدوئه وحبه للعمل الخيري ومبادراته حتى أردته رصاصة إسرائيلية لم تمهله للوصول إلى أقرب مركز طبي، كما قال أشقاؤه وأصدقاؤه أثناء تشييعه.
جاء مدافعا عن أهله.. فقتلوه
وحول تفاصيل ما جرى، يقول رشدان الأقطش إن شقيقه صلّى معهم العشاء في مسجد قرية زعترة قرب حوارة، وغادر لمنزله الذي انتقل إليه حديثا في بلدة بيتا المجاورة بعدما منعه الاحتلال من البناء في قريته لوقوعها بمنطقة "ج" الخاضعة للسيطرة الأمنية الإسرائيلية.
وبعد ساعة تقريبا، اشتد الحدث على شارع حوارة حيث شنّ المستوطنون هجمات عنيفة استهدفت حرق منازل المواطنين ومركباتهم. وأثناء ذلك كانت مجموعات أخرى منهم تهاجم قرية زعترة، فذهب الشيخ سامح ومعه عشرات الشبان ليصدوا الهجوم، ونجحوا فعلا بذلك في المرة الأولى، لكن حارس أمن مستوطنة "تفوح" القريبة ومعه جنود الاحتلال، جاء ثانية وهاجم القرية "فأخذ الجنود يطلقون النار صوبنا وبشكل مباشر، لتصيب رصاصة قاتلة خاصرة أخي سامح ويرتقي شهيدا" يقول الأقطش.
وظل الشيخ سامح ينزف لقرابة نصف ساعة، حيث كانت الطرق مغلقة بفعل هجمات الاحتلال والمستوطنين، واضطر ذووه لنقله بمركبة ومن ثم حمله على الأكتاف لمئات الأمتار عبر طريق ترابي حتى وصول سيارة الإسعاف التي أقلته للمركز الطبي ببلدة حوارة والذي لا يبعد سوى أقل من كيلومترين.
شُيّع ودفن فجرا
ظلّ جثمان الشهيد مسجى في المركز الطبي لساعات بعد أن حال حصار الاحتلال واعتداءات المستوطنين دون تنقّل المواطنين ومركبات الإسعاف وسيارات الدفاع المدني، حتى تمكنت عائلته من نقله ودفنه في قريته قرابة الثالثة فجرا.
على عجل دفن الشهيد وسط حالة من الخوف والترقب من مهاجمة المستوطنين للقرية الصغيرة التي يبلغ تعدادها نحو 100 نسمة فقط وتقطنها 16 أسرة تنحدر من عائلة واحدة من قرية بيتا المجاورة.
والشهيد سامح الأقطش، متزوج وأب لـ5 أطفال. ودرس حتى الصف العاشر الأساسي قبل أن يغادر مقاعد الدراسة للعمل ويبدع في مهنة الحدادة التي ذاع صيته بها.
يقول شقيقه رشدان "وصلت أعماله مدن الضفة الغربية قاطبة"، وأضاف أن الشهيد وبالرغم من أنه أصغر أشقائه فإنه يُعدّ "مستشارهم" لحكمته وسعة اطلاعه وخبرته.
الداعية وفاعل الخير
ويعرف عن الشيخ سامح الأقطش حبه وفعله للخير ومبادراته التي لا تنتهي، وبعد استشهاده انتشرت صورة له خلال وجوده قبل أيام في تركيا عقب الزلزال الأخير.
وعن ذلك يقول شقيقه إن سامح، وفي اليوم التالي للزلزال، جمع المال من أهل الخير في قريته ومحيطه وأسهم هو كذلك، ثم سافر إلى مدينة بورصة التركية حيث يوجد شقيق له أيضا، وقام بجمع المال ثانية واشترى أغطية وخياما وأمتعة للمتضررين، وسيَّرها عبر شاحنتين وقدمها لهم، ثم عمل ضمن وحدة الإنقاذ في المنطقة المنكوبة التي وصل إليها، ومكث هناك 10 أيام.
وفي هذه المنطقة أيضا وصل هو وزوجته قبل نحو 5 سنوات ومكثوا 40 يوما في رحلة خصصاها للدعوة لله، وهو أمر اعتاد فعله باستمرار بقريته وبغير مكان، وحتى أيام قليلة بادر وجيرانه في زعترة للقيام بتعبيد الطريق الذي يوصل لمنازلهم.
وبعد عودته من تركيا، لم يبخل الشيخ سامح على أهالي قريته الأم "بيتا" وبلديتها التي تربطها علاقة شراكة وتوأمة مع بلديات تركية، وقدم لهم نصائح وخبرات اكتسبها من مشاركته في عمليات الإنقاذ، واتفقوا على شراء المعدات اللازمة في الأزمات.
وللشيخ الشهيد سامح مبادراته الإنسانية أيضا، فهو متطوع ضمن فريق "الجحافل" الفلسطيني لمركبات رباعية الدفع في عمليات إنقاذ المواطنين العالقين لا سيما خلال فصل الشتاء
الجزبرة