ثمَّة مؤُشرات على تدهور مُتدحرِج آخذ بفرض نفسه على علاقات موسكو بتل أبيب, بعد سلسلة من الضربات «المُتبادلة»، عكست من بين أمور أخرى مدى غضب الكرملين، خاصّة بعد الانحياز الإسرائيلي والمُعلَن للمعسكر الغربي, وتبنّي حكومة بينيت/لابيد الرواية الأميركية/الأوكرانية، رغم «الخداع» الذي برز في مزاعم بينيت للقيام بدور «الوسيط» بين موسكو وكييف بعد أيام معدودات من بدء العملية الروسية الخاصّة، ساندته في ذلك وسائل إعلام وهيئات سياسية ودبلوماسية غربية وأخرى صهيونية, لم تكتفِ بكيل المديح لإسرائيل كوسيط «مُحايد» للسلام, حدا? وصل بالرئيس الأوكراني المُتصهين اقتراح مدينة القدس المحتلة مكاناً لقمة تجمعه مع الرئيس بوتين.
وإذ لم تُجدِ نفعاً سلسلة الاتصالات الهاتفية التي واظب بينيت إجراءها، خصوصاً مع بوتين بعد زيارة لافتة لموسكو، كذلك مع الرئيس الأوكراني وإن لم يزر كييف، فإنّ تصريحات وزير الخارجية الصهيوني/لبيد كذلك تصويت «إسرائيل» إلى جانب مشروعات قرارات أُممية، خاصة قول لبيد: أنّه «إذا ما خُيّرت إسرائيل بين الانحياز لموسكو أو واشنطن, فإنّها بالتأكيد ستختار الاصطفاف إلى جانب الولايات المتّحدة. ما أثار حفيظة موسكو, معتبرة تل أبيب التي طالما ربطتها علاقات جيدة مع موسكو خاصة في عهد نتنياهو, الذي سجّل رقماً قياسياً في زياراته ل?وسيا واجتماعاته مع بوتين, فضلاً عن دور تحريضي لوسائل الإعلام الإسرائيلية مكتوبة, مسموعة ومرئية، لا تتورع عن وصف بوتين بأوصاف مُهينة, وتحمّله مسؤولية «الجرائم» التي ترتكبها قواته في أوكرانيا، بل ثمّة دعوات إلى بينيت/لابيد لتقديم الدعم العسكري وتدريب قوات أوكرانية, والوقوف في «الجانب الصحيح من التاريخ» لأنّ بوتين يروم إحياء الاتّحاد السوفياتي.
توتر العلاقات الروسية/الإسرائيلية وصل ذروته باستدعاء وزارة الخارجية الروسية السفير الصهيوني في موسكو، بعد التصريحات التي أطلقها وزير الخارجية الإسرائيلي لابيد حول «جرائم الحرب التي ترتكبها روسيا في أوكرانيا، وبخاصة إثر تصويت إسرائيل لصالح مشروع القرار الذي تبنّته الجمعية العامة, بـ"تعليق» عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان، في وقت أبدت فيه تل أبيب «غضبها» من استدعاء سفيرها للمرة «الثانية", (كانت المرة الأولى في شباط الماضي, بعد «إدانة» لابيد تدخّل روسيا في أوكرانيا). هنا دخل السفير الروسي في تل أبيب على الخط?أيضاً, مُنتقداً بشدة تصريحات لابيد، مُتّهماً إياه بـ"الترويج للدعاية الغربية المُعادية لبلاده في موضوع أوكرانيا، ومُطالباً إياه بموقف أكثر توازناً».
إسرائيل تُبدي حرصاً على عدم إغضاب موسكو، خاصّة في ترويجها لحكاية «التنسيق» بينها وبين روسيا في شأن غاراتها الجوية المتواصلة على سوريا. ورغم مُبالغتها في تفسير وأحياناً تسريب أنباء عن موافقة الكرملين على غارات كهذه, تهدف روسيا من ورائه «تحجيم» الدور الإيراني في سوريا، كما تزعم أوساط إسرائيلية رسمية وغير رسمية, إلّا أنّ ثمة مؤشرات تدحض إدعاءات كهذه، أو ما تسميه تل أبيب «السماء المفتوحة» بات مُهدداً الآن, على ما لفتت صحيفة هآرتس الصهيونية التي كشفت قبل يومين, أنّ «حالة من القلق المتصاعد لدى دولة العدو, من قيا? القوات الإيرانية المتواجدة في سوريا بالاستقرار في قواعد القوات الروسية، التي بدأت -تضيف هآرتس- تغادر سوريا متّجهة إلى أوكرانيا»، مشيرة/هأرتس إلى تصريحات لبيد. فضلاً عن تصويت تل أبيب لصالح قرار أممي بتعليق عضوية موسكو في مجلس حقوق الإنسان، «ربما يُشير إلى أنّ الكرملين بصدد فحص سياسة «السماء المفتوحة» التي تعطيها لإسرائيل كما زعمت الصحيفة العبرية.
من السابق لأوانه التكهن بالمدة التي تحتاجها موسكو المنشغلة بما يجري في أوكرانيا- وتدهور علاقاتها مع الغرب والاحتمالات المفتوحة لصِدام عسكري مع حلف الناتو، ناهيك عن العقوبات الغربية التي لم تتوقف, إضافة إلى التلويح الأميركي بتضييق هوامش «الفيتو» الروسي في مجلس الأمن, وغيرها من الخطوات والإجراءات الغربية العدائية.. إلّا أنّ موسكو تبدو في صدد اتّخاذ خطوات «عقابية» ضدّ تل أبيب، يؤشر عليها بيان الخارجية الروسية أول أمس, الذي «اتّهم الغرب بالتهرّب من تسوية الصراع الفلسطيني/الإسرائيلي، وأنّ مسؤولية كبيرة تقع على ?اتق الولايات المتّحدة والاتّحاد الأوروبي، اللذان -يضيف البيان- يتهرّبان بذريعة الأحداث في أوكرانيا، من المُشاركة في أنشطة الرباعية الدولية».
دون إهمال الملف «المفتوح» الذي يهمّ الكرملين والرئيس بوتين شخصياً, والخاص بمطالبة بوتين رئيس الحكومة الإسرائيلية/بينيت, تسليم كنيسة الكسندر نيبلسكي في القدس وتسجيلها باسم الحكومة الروسية, عبر رسالة «نادرة» كما وصفتها يديعوت أحرنوت مُؤخراً, كاشفة أنّ بوتين بعثها لبينيت، ومُعتبرة رسالة بوتين «خطوة غير عادية». ما أشاع قلقاً إسرائيلياً من «مزيد» من التدهور في العلاقات مع موسكو، وحدوث أزمة دبلوماسية حقيقية مع زيادة التوترات بشأن نقل ملكية أرض الكنيست للحكومة الروسية.