يشكل الاحتفال بمناسبة اليوم العالمي للعمال محطة مضيئة وعلامة فارقة يتجسد فيها حجم الإنجاز الذي حققه عمال الأردن في كافة المجالات لجهة إعلاء صروح الوطن ولتعزيز نهضته وليبقى منارة ونموذجا للدولة الحضارية التي تسعى إلى تعزيز الإنجازات ومتابعة المسيرة رغم كل التحديات.
ويصادف غدا الأول من شهر أيار اليوم العالمي للعمال والذي بدأ العمل به منذ عام 1882 وما زال مستمرا حتى اليوم، وينضم الأردن إلى عدد كبير من دول العالم ويمنح كل العاملين إجازة رسمية، للتذكير بقيمة العامل وضرورة منحه كل حقوقه
والمتتبع والراصد لمفهوم الاستقرار والأمان يعي عمق المضامين الإنسانية في السياسة الأردنية التي انحازت للإنسان على الدوام، استنادا إلى بنية تشريعية تحمي حق الإنسان الكادح في الحياة الكريمة، وهو شأن ما كان له أن يتواصل لولا حرص ومتابعة القيادة الهاشمية التي تحيط إحاطة تامة بأهمية تأطر حقوق الإنسان العامل، الذي بنى الدولة ونهض بها على مدى قرن.
ووفرت التشريعات الأردنية الحماية الاجتماعية للعمال وإشراكهم بمظلة الضمان الاجتماعي، والتأمين الصحي، وألزمت أصحاب العمل في كل القطاعات بتوفير سبل السلامة العامة للعاملين حماية لأجسادهم
وأنفسهم من الإصابات أو الوفاة.
ويعنى النظام السياسي على الدوام بتطوير شروط عادلة للعمل والعدالة وإتاحة المجال لتشكل نقابات عمالية ومهنية تذود عن حقوق أعضائها بصفتهم العمود الفقري للمجتمع، حيث يظهر حرص الأردن على تعزيز معايير العدالة الاجتماعية والحد من التفاوت الاجتماعي. وقد صادق الأردن على 26 اتفاقية من اتفاقيات منظمة العمل الدولية، وكان لفضل السياسة الهاشمية الإنسانية دورا مهما في تطوير ودعم المنظومة القانونية الحارسة لحقوق العمال على اختلاف شرائحهم وفئاتهم.
وقال مدير مديرية تفتيش العمل المركزي في وزارة العمل المهندس هيثم النجداوي لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، إن الوزارة تقوم بدور كبير في حماية الحقوق العمالية، لافتا إلى قانون العمل الذي كفل هذه الحقوق بما ينسجم مع المعايير الدولية في تعزيز مفهوم العمل اللائق.
وأشار إلى أن القانون حدد عددا من الشروط أبرزها عقد العمل وظروف العمل والإجازات المدفوعة الأجر وغير المدفوعة الأجر، وكذلك حماية حقوق المرأة العاملة، وساعات العمل والعطل، والعمل الإضافي، والعديد من الشروط والإجراءات التي تكفل حماية العاملين.
وأوضح دور الوزارة في متابعة تلك الاشتراطات والإجراءات من خلال التفتيش والزيارات الميدانية اليومية، والتأكد من شروط السلامة والصحة المهنية داخل المنشأة، فضلا عن متابعة الشكاوى وحلها مع صاحب العمل ما أمكن، وفي حال تعذر حلها يتم تحويلها للقضاء لتحقيق العدالة المرجوة.
المركز الأردني لحقوق العمل "بيت العمال" توقف في تقرير له عند التحديات غير المسبوقة التي تواجه سوق العمل الأردني، مشددا على ضرورة إصلاح الواقع الاقتصادي وتحسين واقع سوق العمل، ورفع درجات التنسيق بين أطراف الإنتاج، ومراجعة خدمات التشغيل والتدريب وتقييمها، وتحسين ظروف وبيئة العمل والحمايات الاجتماعية، وتحقيق المواءمة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل، وتحفيز المشاركة الاقتصادية للمرأة، وتحسين مستويات الأجور خاصة للفئات الضعيفة من العمال.
وأوصى المركز بتعزيز قدرات شبكات الأمان الاجتماعي وزيادة مخصصاتها وتوجيهها لمختلف الفئات الضعيفة من المواطنين ومختلف الأسر منخفضة الدخل، وتوسعة الشمول بالتأمين الصحي، وتخفيض قيمة الاشتراك في الضمان الاجتماعي، وكذلك توفير الدعم اللازم للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة للحفاظ على ديمومة عملها وحماية فرص العمل التي توفرها، وزيادة القدرة الشرائية للمواطن.
المرصد العمالي الأردني التابع لمركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية أعد تقريرا اشتمل على عدد من المحاور لرفع وتحسين سياسات العمل، فضلا عن عدد من التوصيات لتحسين شروط العمل في الأردن.
من جهتها، بينت مديرة برنامج العمل اللائق للمرأة في منظمة العمل الدولية ريم أصلان، دور المنظمة في إطلاق "عيادة الأعمال" لصاحبات الأعمال في قطاع رياض الأطفال لدعم الصمود خلال وبعد جائحة كورونا ، و"العيادة القانونية" للعاملين والعاملات، لرفع التوعية القانونية للعاملات في مجال العمل والحمايات الاجتماعية، فضلا عن إطلاق منصة "حماية" لاستقبال الشكاوى بالتعاون مع وزارة العمل.
وفي السياق ذاته، أشارت أصلان إلى أن معظم الشكاوى المقدمة كانت من قبل العاملين في قطاع التعليم الخاص، يتعلق أكثرها بعدم إيفاء أرباب العمل بدفع الأجر المتفق عليه وعدم الالتزام بالحد الأدنى الذي حددته وزارة العمل؛ لافتة إلى أنه تم التعامل مع تلك الشكاوى بتوجيه صاحباتها إلى الجهات المعنية كوزارة العمل أو اللجوء إلى القضاء في حال عدم التوصل إلى حل ودي بين الطرفين، فالعيادة القانونية "واعي/ واعية"-بحسب أصلان- من التجارب الناجحة التي أطلقتها المنظمة مع اتحاد عمال الأردن بهدف ضمان الحقوق وحل الخلافات، منتصف العام الماضي، وبالتعاون مع وزارة العمل واللجنة الوطنية لشؤون المرأة وكجزء من عمل اللجنة الأردنية للإنصاف في الأجور والشركاء من مؤسسات المجتمع المدني، للتركيز على حقوق المرأة العاملة من حيث الإجازات وتأمين الأمومة والمساواة في الأجور والحضانات.
وأوضحت، أن العمل جار نحو تطوير هذا المشروع ضمن مرحلته الجديدة، والمتمثلة في دعوة النساء العاملات من كافة القطاعات للانتساب إلى النقابات العمالية؛ لأن مشاركتهن في النقابات قليلة نسبيا، ولكي يصبح لديهن هدف استراتيجي موحد، وكتلة حرجة من الفاعلات منهن لصنع القرار داخل النقابة، وكذلك صوت مشترك ينادي بالعدالة وحفظ الحقوق، يستطعن من خلاله إيصال مطالبهن إلى المعنيين وتحسين أوضاعهن في بيئات العمل.
وأشارت إلى أن هذه المرحلة لم تطبق إلا بعد غرس الوعي في أذهان العاملات والعاملين إزاء الحقوق والواجبات المترتبة عليهم، من خلال ما وصفته بـ "تدقيق نوع اجتماعي" وهي أداة وعملية ترتكز على منهجية تشاركية، الذي من خلاله يتم التعرف على الأماكن والمقار التي تضم نساء منتسبات إلى النقابات العمالية، وكذلك تغيير السياسات والقوانين داخل النقابات؛ ليتسنى للمرأة العاملة الوصول إلى مواقع صنع القرار داخل النقابة، حيث يبلغ عدد رؤساء النقابات من الرجال 17 رئيسا مقابل امرأة واحدة فقط.
واقترحت بعض الحلول لمشكلة تسليم الأجور للعاملين، بأن يتم صرفها إلكترونيا عن طريق الحسابات البنكية أو المحافظ الإلكترونية؛ للحد من القضايا الكثيرة والمتكررة فيما يتعلق بموعد صرف الأجور أو قيمتها، موصية بأن يتم إصدار قرار إلزامي بذلك من قبل اللجنة الثلاثية التابعة لوزارة العمل؛ لحماية حقوق العاملات والعاملين في القطاعات الهشة.
وعددت فوائد الصرف الإلكتروني، منها، أن الأجر المتفق عليه مقيدا بالكتابة، بحيث لا يكون هناك مجال للتلاعب أو الإنكار، وما يترتب على ذلك الاشتراك بالراتب الفعلي في الضمان الاجتماعي، ولإخضاع هذا الراتب للجهات الرقابية لمعرفة ما إذا كان الحسم الحاصل فيه لمسوغ مقنع، أم هو من باب التعسف والظلم، وفي هذا حماية لحقوق صاحب العمل من الافتراء الواقع أحيانا من العمال أنفسهم، في تقاضيهم لرواتبهم.
ودعا رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال مازن المعايطة إلى تعزيز حقوق العمال؛ ولا سيما بعد مرحلة الإغلاقات والحظر الذي تم أثناء انتشار جائحة كورونا، وما تبع ذلك من أحداث أسهمت في تردي الأوضاع الاقتصادية، فضلا عن زيادة أعداد خريجي الجامعات وكليات المجتمع المتعطلين عن العمل، والزيادة الكبيرة في أعداد الطلبة المتسربين من المدارس، علاوة على أن سوق العمل كان يستوعب سنويا ما يزيد على خمسة آلاف فرصة عمل، أما الآن فلا يكاد يستوعب الألف.
وفي هذا الصدد، بين أن يوم العمال محطة مفصلية يجب التوقف عندها للقضاء على جميع التحديات، من خلال وضع خطط بديلة لاستشراف آفاق مستقبلية تتمثل في وضع السياسات الداعمة للسوق الأردني، كإيجاد مناخ استثماري جذاب، من خلال تخفيض الضرائب والرسوم الجمركية وإزالة العقبات وإيجاد التسهيلات أمام المستثمرين.
وفي معرض حديثه عن الأجور، أشار إلى ضرورة تطبيق ما أوصت به منظمة العمل الدولية، بما يتعلق بالمحافظ الإلكترونية؛ ليتم تحويل الرواتب من خلالها في موعد ثابت وبالأجر المتفق عليه بين العامل ورب العمل، ضمانا لحقوق الطرفين، وللحد من الانتهاكات التي يقوم بها بعض أرباب العمل تجاه العاملين، خاصة في قطاع التعليم الخاص، وكذلك للحد من الشكاوى القضائية التي يقدمها العاملون ضد أرباب العمل.
وحث المعايطة على عدم التقاعس عن تقديم الشكوى لكل من وقع عليه الظلم، عن طريق النقابة التابع لها أو عن طريق المنصة التي خصصتها وزارة العمل أو حتى عن طريق القضاء؛ في حال عدم الإنصاف أو التوصل إلى التسوية بين الطرفين.
--(بترا)