احد
عشر شهيدا ومناصرين من ورق
محمد محيسن
يقول
الكاتب الفلسطيني الشهيد غسان كنفاني "ان قضية الموت ليست على الإطلاق قضية الميت،
إنها قضية الباقين، المنتظرين بمرارة دورهم لكي يكونوا درساً صغيراً للعيون الحية”.
احد عشر شهيدا سقطوا
بالأمس صدرت من اجلهم عشرات البيانات كلها من ورق .. صدقوني أنها من ورق فقط..
وعلى مقولة قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار
يقف العرب والمسلمون متفرجين على تزايد أعداد الشهداء في فلسطين يوما تلو آخر.
ولكن
المطالبين بالمزيد من الشهداء نسوا تماما ان استمرار الثورة تحتاج الى وقود رغم ان
شرارتها لا تحتاج إلا الى عود ثقاب واحد، او رصاصة واحدة او سكين واحدة.
في المحيط
الملتصق تماما بفلسطين يقف الكثيرون بين متفرج ومتألم وبين هذا وذاك فرق شاسع.. وان
حاول احدهم التعبير فإن الكيبورد هو السلاح الضارب الذي يلجأ اليه في أوقات الشدة والرخاء.
تقول
سيدة فلسطينية جاءها قرار بهدم منزلها الذي تقطن فيه من عام 1946 من القرن الماضي
«إنك بمجرد أن تستلم قرارا ظالما بهدم بيتك، تفقد الشعور بالاستقرار والأمن والهدوء،
وتتغير حياتك جذريا، ويسود القلق على مصير العائلة».
وتضيف:
شعرت بمرارة الحدث.. يتملكني الإحساس بالألم والغضب، فبمجرد أنك مقدسي، فلا بد أن تحاكم،
ويهدم بيتك، وتشرد عائلتك».
كثيرون
من الملتصقين بالحدث ينظرون الى تلك المقدسية بعين العطف ولكن شعورهم هذا لا يتعدى
مواقف متضاربة، وان قرر الانتقام او التدخل يضع "بوستا" على صفحته المتناقضة
على الفيسبوك.
تلك
سيدة لم تفقد ابناءها الستة في قصف همجي من طائرات مقاتلة كما حدث مع السيدة الغزية،
التي لم تسطيع الحديث امام الكاميرات ، وكادت ان تفقد النطق ، وغيرها العشرات في
جنين وبقية المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية.
وكما
لجم الخنوع لسان وسيوف الكثير من الأشقاء، الذي لم يجرؤوا حتى على البكاء، او الصراخ
فلوحوا بالوعيد وتستروا بعباءة محاربة الارهاب.
في سوريا
لم تستيقظ بعد من حربها المدمرة ، تقول المعلومات ،ان السلاح ألقي في الشوارع والحارات
ودخل بدون استأذان ولا مراقبة ولا حتى اعتراض، اما في فلسطين فإن الرصاصة الواحدة كفلية
بأن تقوم الدنيا ولا تقعد..
صحيح
انه لا يمكن وضع مقارنة بين ما يجري في الوطن العربي وما يجري في فلسطين رغم ان القتلى
هنا والقتلى هنا يذبحون بنفس السلاح، وقاطنو البيوت المهدومة هنا وهناك يشعرون بذات
المرارة مرارة الضياع.. والجرحى هنا يتألمون كما يتألم الجرحى هناك..، ولكن الفرق يكمن
بوضوح العدو هنا.. وضبابية الرؤيا هناك.
بين
من يعد العصي ومن يتلقاها ثمة فرق كبير، الفرق ليس بحجم الالم، ولا بحجم الجرح ولا
بحجم المصيبة.. ولكن بحجم الكرامة.. الكرامة فقط.